رحلات امرأة عربية

نعود أدراجنا إلى تونس، وهذه المرة لزيارة الآثار القرطاجية التي تزدحم بها منطقة قرطاج بشوارعها وحاراتها. كانت الآثار تقع في وسط الأحياء السكنية في تضاد جذاب للقديم المتهدم والحديث الشامخ البناء.

تشرح لي مضيفتي تاريخ قرطاج الفينيقي، حيث أسست الأميرة عليسة الفينيقية الهاربة من لبنان خوفًا من أخيها الذي قتل زوجها الملك، وسكنت تلة بيرصا المطلة على الجبال والبحر، والتي تشبه موطن الأميرة بمدينة صور في لبنان.

 أسست مدينة قرطاج عام 814 قبل الميلاد، وسميت المدينة «قَرْتْ حَدَشْتْ»، وتعني «مدينة جديدة». كانت المدينة تحتل موقعًا استراتيجيًا هامًا بين شرق وغرب البحر الأبيض المتوسط، سهل عليها التجارة، وانطلقت سفنها إلى كل أنحاء البحر.

أصبحت قرطاج على مرّ الزمان عاصمة ثريّة لإمبراطورية بحريّة انتشر أسطولها التجاري في كامل حوض البحر الأبيض المتوسط الغربيّ.

 كانت آثار الإمبراطورية البحرية لاتزال حاضرة متمثلة بحوض الميناء العسكريّ البوينقي مع جزيرة صغيرة، في وسطها مركز القيادة البحريّة، حيث يبين رسم توضيحي مقر تراصف العديد من السفن الحربيّة، وكذلك جزء من الحوض التجاريّ المستخدم في ذلك الحين.

وعلى مقربة من بوابة الميناء العسكري يقبع مقام قبر (للا الصالحة) وهي ابنة الولي الصوفي بوسعيد. تحكي القصة حبها لعبادة الله وعزوفها عن الحياة الدنيا، وأنها كانت في طريقها لتزف إلى عريس لم ترضه في قافلة عرس تحمل متاعها وزينتها. وعندما حل الليل طلبت للا الصالحة من مرافقيها أن ينصبوا الخيام للمبيت؛ حتى الغد وظلت طوال الليل تصلي. وما أن حل الصباح حتى كانت القافلة بمن فيها قد غرقت في طوفان بحري ودفنت الصالحة في نفس مكان موتها. يرنو قبرها اليوم وحيدًا باتجاه البحر الذي أبت أن تخوضه بحياتها فسكنت بجواره في موتها. تملَّكني حزن وأنا أقف أمام القبر... هل كان موتها استجابة لصلواتها التي ابتهلت بها إلى الله في آخر ليلة لها؟ هل كان ثمن الخلاص فادحًا إلى هذا الحد؟... أحسست بالدموع عفوية تنساب من عينيّ... رغم أنني لست ممن يدعون بتقديس الأولياء، ولكن قصة هذه الفتاة أثارت في نفسي شيئًا من الحسرة، وأنا أدرك أن مصدر هذا الشعور هو أن هذه القصة لاتزال تحدث يوميًا في كل بلد مسلم، وإذا كانت هذه الصالحة قد نجت من قدر ذكوري ظالم إلى قدر إلهي يكتنفها برحمته فلا تزال العديد من الفتيات القاصرات والصغيرات إلى يومنا هذا يعانين من تزوجيهن قهرًا وغصبًا وحرمانهن بحجة العيب والرغبة في التخلص من عبئهن، وخوفهم من أن تجرهم لفضيحة قبل تزويجها والسعي لرميها لأي ذكر يدفع مبلغًا من المال يطمع فيه الآباء بقدر زهدهم في بناتهم في ممارسات الجاهلية؛ لوئد حياة الفتيات المسلمات على مرأى ومسمع مما يسمون أنفسهم (علماء الدين) ببشاعة يخجل منها الدين الإسلامي، وتنفر منها الفطرة الإلهية.