رضيت بقدري


حدثتني فقالت قد يخيل لك أني أبالغ في وصفي لقصتي التي تنفع مسلسلاً دراميًا يفوق الخيال، لكن صدقيني ما سأقوله هو جزء ضئيل من معاناتي في هذه الحياة، بجانب ما أعانيه من نظرة المجتمع التي تتهمني بأني زوجة فاشلة، لأني طُلقت مرتين وأنا لم أبلغ بعد الثلاثين من عمري ولي طفل في العاشرة.

فأنا ولله الحمد من عائلة ميسورة ومثقفة، تزوجت وأنا لم أبلغ العشرين من عمري، من دكتوري وأستاذي في الجامعة فقد أحببته للأسف، وكان هذا أكبر خطأ ارتكبته في حياتي، ولم يقف والدي في طريقي لأنني وحيدته، وكانت كل طلباتي أوامر، ورغباتي مجابة، تزوّجت بمن دمر حياتي وحياة ابنه، لم استمر معه سوى سنتين وعدة أشهر، ذقت فيها الويل، فقد اكتشفت بعد زواجنا أنه يشرب الخمر ويصاحب النساء ويبخل عليّ بأي شيء، وكانت يداه تبطشان بي بكل قسوة وفي أي مكان، في الشارع، في السيارة، وصبرت من أجل ابني، لم أُرد أن يأتي للدنيا ولا يجد أباه بقربه، حتى وصلت لمرحلة دمر فيها ثقتي بنفسي، رغم أنني ابنة عز وجاه وجميلة ولله الحمد، وربة منزل جيدة، وقررت أن أخفي الحقيقة عن أهلي، على أمل أن ينصلح الحال، وأن يتبدل ذاك الوحش، ويصبح يومًا ما إنسانًا، فقد كنت أعشقه حد الجنون، رغم كل ما فعله بي فهو حبي الأول والوحيد، تحمّلت وصبرت على أفعاله المهينة والمشينة، التي لا تتفق مع مكانته، لكنه لم يكتف بذلك، بل تمادى وصار يطردني خارج منزله، ليأتي بالنساء داخل منزلي وفي حجرتي! لقد مررت بمواقف كثيرة يشيب لها الشباب، وقررت أن أطلب الطلاق، فقد تمادى في جرح كرامتي وكبريائي بعد أن قتلني كأنثى، ولشدة وقاحته، رفض طلبي، وظللت في المحاكم عدة سنوات، ولم أتمكن من أخذ حريتي وعمري يمضي، وأخيرًا وافق على شرط أن أتنازل عن كامل حقوقي، مقابل أن أنال حريتي، وتنازلت عن ماديات لا قيمة لها بالنسبة لي، مقابل استعادة إنسانيتي ونفسي وكياني.

وفي أقل من عام، تقدّم لخطبتي شاب يكبرني بعامين، وكنت رافضة فكرة الزواج، إلا أنه ظل يلاحقني ويأتي لمنزلنا، حتى اعتادت عليه عائلتي، وتعلق ابني به بشدة، بعد أن رأى فيه صورة والده الغائب، الذي لم يسأل عنه، ولم يتحمل مسؤولية أي أمر يخص أبوته، ووافقت بعد محاولات مستميتة من أهلي، فلعل الله يعوّضني بحياة كريمة، مع زوج صالح، فماذا أريد أكثر من إنسان يحبني ويحب ابني؟

لم أكد أحيا حياتي الجديدة وبالاستقرار والشعور بالسعادة التي حُرمت منها، حتى اكتشفت بعد الزواج بأن زوجي كان ممثلا بارعًا، فهو يعاني من مشاكل عديدة، عقيم، وشبه رجل، ورغم ذلك لم اعترض، فقد أصبحت زوجته، وأقنعت نفسي بأنه طالما يحب ابني ويحبني، فلا مشكلة، لكن اتضح مع الأيام أنه يحب نقودي أكثر مني،

وضع لي شروطًا عديدة، من ضمنها أن أنسى أني أنجبت، وعلى ابني أن يعيش مع والده، فهو المسؤول عنه، بجانب أن أكتب الشقة باسمه، ناقشته بكل هدوء وبالمنطق، لنصل لحل وسط ليس حبًا فيه، ولكني لا أريد أن أصبح مطلقة للمرة الثانية، وأخبرته بأني على استعداد أن أكتب الشقة باسمه، أما بالنسبة لولدي فكيف أسلّمه لأبيه، وهو لا يعلم عنه شيئًا؟! لحظتها لم أحتج لوقت كي أفكر، وطلبت الطلاق، وعدت لمجتمع لا يرحم، فتاة صغيرة مطلقة تعذبت في حياتها وتعد صيدًا سهلاً لكل من يهوى التلاعب بمصائر البشر.

وبدأت حياتي من جديد ورغم الاكتئاب الذي أصابني، إلا أنني رضيت بقدري، مسحت دمعتي ورسمت ضحكة على وجهي، وكلي أمل أن يتحقق العدل يومًا، وأن يجعل في ابني الخير لي.

 

أنين قلب

نستطيع أن نبدأ الحرب، ولكننا لا نعرف كيف ننهيها.. ونستطيع أن نحب... ولكننا لا نستطيع أن ننسى.... إن بمقدور الإنسان أن يجرح إنسانًا آخر... ولكن من الصعب أن يداوي جرحه... ما أسهل أن تطلق سهمًا في قلب إنسان آخر وما أصعب أن توقف نزيف الدم.... فاروق جويدة

للتواصل مع الكاتبة اميمة عبد العزيز زاهد[email protected]