mena-gmtdmp

سعيد عقل مكرَّماً

 

أقامت الجامعة الأميركية للعلوم والتـكنــولوجيا احتــفالاً كبيراً لتكريم الشاعر سعيد عقل، صاحب عدّة دواوين شعر، أذكر منها «رندلى» و«قدموس»، وذلك لمناسبة إزاحة الستار عن تمثال له أُقيم في حديقة الجامعة.

<<< 

وسعيد عقل يستحق كلّ تكريم، لشعره المميّز؛ إذ إنه صاحب مدرسة شعرية حديثة، تميّزت بالرمزية والتجديد، ومنذ أن نشر ديوانه الأول، «بنت يفتاح» في العام 1935؛ إلى قدموس والمجدلية، حتى آخر حرف خطّه قلمه.

<<< 

وهو يستحق التكريم للأخلاق السامية التي غرسها في كلماته: كما للطبيعة الإيجابية، وقد لازمته في كل الأوقات.

<<< 

تُروى حكايات عن هذا الشاعر، وقد تجاوز الثامنة والتسعين من عمر مبارك بالعطاء؛
ولا يزال صاحبه يحتفظ بكامل وعيه وحماسته للحياة كما للشعر.

<<< 

أول مرّة التقيتُه كانت أواخر أربعينات القرن الماضي. وكنت طالبة في الكلية الوطنية في الشويفات.

وزار، آنذاك، معهدنا بدعوة من رئيسه، شارل سعد، وزوجته، السيدة ليلى، التي تابعت إدارة هذا المعهد، بعد وفاة زوجها، وضاعفت عدد فروعه وانتشاره عدّة مرّات، كما صدّرت بعضها إلى بلاد في الشرق والغرب.

<<< 

أما تلك الدعوة للشاعر، فكانت ليُسمعنا بعض قصائده، والتحدث إلى الطلبة من بنين وبنات.

<<< 

حتى الآن، ما زلتُ أذكر وقفته فوق المنبر، شامخاً، ومهيباً؛ حتى إذا بدأ إلقاء شعره الساحر، جعلنا نرتفع عن الأرض قامات، لنحلّق معه في تلك الأعالي، حيث شيّد مملكته الشعرية، سامية، وعنواناً للإلهام والجمال.

<<< 

ثم عدت فالتقيته وأنا أتدرّج في عملي الصحفي في مجلة الصياد، منتصف خمسينات القرن الماضي. وكان رئيس تحريرها سعيد فريحة قد دعاه ليسهم في النهضة الجديدة لمجلته؛ وقد اختار لها أقلاماً جليلة ومكرّسة، أذكر منها أمين نخلة، ومارون عبود, إلى فوج من الشباب الطامحين، وقد باتوا اليوم منتشرين في مشارق الأرض ومغاربها.

<<< 

وأنا واحدة من ذلك الرعيل، والذي استظلّ أغصان تلك الأشجار المباركة، وحاول، قدر المستطاع، الإفادة منها.

<<< 

وكنت لا أزال محرّرة عادية في «الصيّاد» حين باشرتُ كتابةَ الرواية.

وعندما نشرتُ روايتي الأولى «طيور أيلول» في العام 1962 كان الشاعر سعيد عقل قد أنشأ جائزة شهرية تحمل اسمه؛ وكان يختار لها من يجدهم جديرين بذلك الشرف من أدباء وفنانين.

<<< 

فوجئتُ كثيراً عندما بلغني نبأ اختيار روايتي لنيل الجائزة عن شهر أيلول في العام 1962.

كما اختيرت تلك الرواية، في الفترة ذاتها، لجائزة أصدقاء الكتاب، مناصفة مع أديب معروف هو الدكتور سهيل إدريس، عن روايته «أصابعنا التي تحترق».

<<< 

ومن بعض ما كتب الشاعر سعيد عقل في براءة الجائزة: «إنها حكاية قرية من قرانا. وهو مؤلَّفٌ غير عادي، يُغْني أدبنا القصصي الفني. الأرض تعيش وتتألّم كامرأة تحبّ.

والبشر يرتطمون بقدرهم، قبل أن يتشظّوا بعيداً في قلب المغامرة...

سَبْرُ أغوار، ومسحةُ حزن لا تنقطع ولو في الفرح، وغالباً بثٌّ شعري أخّاذ... وفي الحالات جميعاً، قلمٌ نظيف، كأنّما القدر نفسه عجز عن تلطيخ الجمال في لبنان».

<<< 

ولم ينْسني الأستاذ سعيد، عندما أعاد منح جائزته بعدما توقفتْ بسبب الحرب. وإذا به، في العام 2002 يختار أعمالي لنيل جائزته التقديرية عن العام 2002.

وأعتبر تكريمه لي في كلا الحالين، أعظمَ تقدير نلتُه، لأنه اعترافٌ بأدبي من أحد أهم شعراء العربية في عصرنا.

كما أن التفاته، في تلك المرحلة، إلى ما تنتجهُ الأقلام الفتيّة، هو تعبيرٌ عن حبّه للوطن، وقد التصق به اسماً ووجوداً.

<<< 

يأخذُ بعضُهم على هذا الشاعر مثاليته، إذ
لا يبصر من الوجود سوى الجميل والإيجابي. ولا يعرف غير المحبّة، في شعره كما في تعامله مع الحياة.

فكم يحتاجُ عصرُنا إلى أمثال سعيد عقل، شعراً وإنسانية؟!...