هيفاء وهبي صديقتي! ـ 2 ـ

بمجرد وصولي إلى مربط الفرس «النقود»، انقضى سرحاني، وعدت لأنهي ما بيدي وأسرع اللحاق بالحافلة، غمرتني فرحة عارمة وأنا ألمح مقعدًا خاليًا بجانب عجوز في الحافلة، تنحت جانبًا وتركتني أمر، وما أن جلست حتى غادرني عقلي بعيدًا إلى تلك الزائرة، التي نجحت أخيرًا أن تكون شبيهة لهيفاء وهبي، لقد كانت عازمة أن تنحو منحى شهرة هيفاء، حتى ولو كلفها الأمر أن تخسر عائلتها، فهي مهووسة بالشهرة والصخب الإعلامي، أعرف أنها لا تملك المبلغ المطلوب لكل عمليات الترميم هذه، وهي وبالتأكيد سعت إلى الحصول على قروض بنكية لتحقيق طموحها، فمنذ شهرين أرتني «كاتلوك» عمليات التجميل ببلاد التايلاند، وكم كانت دهشتي عميقة، فالأثمان كانت جد مناسبة، لو مثلاً أردت شفط قليل من دهون بطني، حتى يعود ناعمًا كأيام زمان، أو رفع حواجبي، فأعتقد أن الأمر لن يكلف «أبو حازم» زوجي، سوى نصف راتب شهر، «ماذا قلت نصف راتب شهر!»، قال لي ضميري موبخا، في المصلحة، الكل يلقي تحية الصباح بخمول ممل، اتجهت مباشرة إلى قاعة الاجتماع، لأجد الكل ينتظر وصولي «صباح الخير، آسفة، هيفاء وهبي كانت في زيارتي»، «هيفاء.. هيفاء!»، قال أحد الزملاء، وأومأت برأسي بالإيجاب، وسرعان ما ينقضون عليّ كالقطط بأسئلتهم، حتى رئيسي في العمل، ضحلت شخصيته أمام سماع اسم هيفاء، الكل تعامل معي كما يتعامل الأمراء، رئيسي أعطاني يوم إجازة مدفوعًا، فقط لأحضر له توقيعًا منها، آخر أعطاني قميصًا يريد أن ترش عليه من عطرها، ومنهم من يريد صورة، وقائمة أمانيهم طالت، إلى أن امتلأت، وأنا بينهم فرحة بيوم العطلة فقط، «الكلمة رجل، وسأوافيكم غدًا بكل ما طلبتموه»، وركضت لأوقع حضوري وأنصرف، ووصلت البيت، وماذا أرى، جمهرة أمام الباب، وناس تصيح، «وأم حفيظة» تحاول أن تطلع من نافدة بيتي على شيء تجهله، وضبطت ابني يقف بشموخ خاطبًا فيهم «هيفاء وهبي تعدكم بإحياء حفلة مجانًا في حينا، لقد جاءت لتوها من السفر وتريد أن ترتاح»، فضربته على قفاه قائلة: «من هي التي تريد أن ترتاح يا كسول؟»، وركض بعيدًا.. هدأت الكل، ووعدتهم باللازم في وقته، استجابوا وانصرفوا، إلا «أم حفيظة»، بقيت واقفة، تتطلع إلى بابتسام، «هل من خدمة؟» قلت وأنفي ينتفخ غضبًا، وهرولت مسافات هلعًا، صديقتي شبيهة هيفاء وهبي، كانت تغط في نوم عميق، وحدها أنا جلست القرفصاء أفكر كيف الخروج من ورطتي في المصلحة، المشكل أن هذه الممددة على الكنبة أمامي ستورط نفسها وتورطني معها بالتزوير، إذا قدمت نفسها على أنها هيفاء الحقيقية، والله اسمعي نصيحتي يا هيفاء الأصلية، سجلي اسمك كماركة مسجلة محفوظة الحقوق، وإلا لن نرى غدًا في شوارعنا، إلا نسخًا مغشوشة من فتيات جميلات، فاتنات، يشبهنك، وفي حالة وقوع ذلك أؤكد لكم سأخضع نفسي لسكين التجميل، لأكون شبيهة لنانسي عجرم.