شركات الكاسيت هل تغلق أبوابها بعد الأحداث العربية الأخيرة؟

تعتبر صناعة الموسيقى في مصر، بعد الأحداث الأخيرة التي شهدتها، شبه متوقفة، كما أنها تواجه خسائر حقيقية، فهل من محاولات لإنقاذ هذه الصناعة وإعادة الروح لسوق الكاسيت من جديد؟ لقد حاولنا في السطور التالية رصد حال شركات الإنتاج بكل شفافية، وتأثير كل شركة على السوق، وأوجه التقصير في علاج الأزمة:

 

 

تواجه صناعة الموسيقى في مصر أزمة منذ عدة سنوات، أدّت إلى تراجع أغلب الشركات المصرية الكبيرة عن الإنتاج بشكل جدّي والاستغناء عن مطربيها، كما أدّت إلى ظهور شركات لا تعتمد في المقام الأول على الربح من الموسيقى، بل تعتبر هذه الصناعة نوعاً من أنواع الدعاية لأصحابها، أو ستاراً يخفي وراءه الكثير من الأسرار. ولكنها، بكل الأحوال، تخسر. ورغم ذلك، ترصد ميزانيات كبيرة لإنتاجاتها. وتعطي المطربين أجوراً كبيرة مقابل التعاقد معهم.

 كل هذا أدّى إلى حدوث خلل كبير في السوق. وكلما يسأل منتج مصري يقول: «لا بدّ من القضاء على قراصنة الإنترنت». ولكن، لا حياة لمن تنادي، في ظلّ تجاهل الجهات المعنية، ما أدّى إلى ظهور شعراء وملحنين وموزّعين ومطربين غير موهوبين، حيث يتمّ إعطاؤهم الفرصة من باب التوفير، كما اتجه أنصاف المطربين إلى الإنتاج لأنفسهم وتوزيع تلك الألبومات مع إحدى الشركات المصرية، التي أصبحت شركات توزيع تمتلك قنوات تعرض ما يتمّ دفع ثمن عرضه.

 

محسن جابر.. ومزيكا

من المعروف عن المنتج محسن جابر أنه أكثر من جاهد وكافح من أجل القضاء على القرصنة، بصفته رئيس «جمعية منتجي الكاسيت» التابعة للـ «اتحاد الدولي للمنتجين»، حيث كان قد وصل مؤخراً، قبل الثورة المصرية، إلى حلّ بعد صراع طويل مع الروتين الحكومي المصري، وتجاهل الجميع لحال صناعة الكاسيت في مصر، قضى بصدور قرار من فاروق حسني وزير الثقافة الأسبق، بشأن قيام وزارته عن طريق الرقابة على المصنّفات، بتلقي شكاوى الشركات والأفراد المتضرّرين من عملية القرصنة ورفعها إلى وزارة الاتصالات لغلق المواقع الإلكترونية فوراً، وكان جميع العاملين بالصناعة متفائلين بهذا القرار، وينتظرون تفعيله مع بداية هذا العام. ولكنّ الأحداث الأخيرة التي شهدتها مصر أدّت إلى تأجيل هذا الملف مؤقتاً.

على الرغم من قيام جابر بهذا الأمر، إلا أن شركته كان لها دور في عشوائية الصناعة، سواء تعمّد ذلك أم لا، فهو كان دائم البحث عن مصادر دخل كي تظلّ أبواب شركته مفتوحة، وذلك من خلال إنشاء قنوات فضائية لاستقطاب المعلنين، سواء المعلن المباشر أو المطربين الراغبين في عرض «كليباتهم» على شاشته «مزيكا»، مقابل دفع الثمن، أو من خلال قيامه بتوزيع ألبومات مقابل أجر، وهذا ما جعل أنصاف المواهب تقدّم أعمالاً فنية غير مدروسة، وغياب دور مدير الإنتاج وقيام المطرب بهذه العملية. والنتيجة تكون في النهاية عملاً فنياً هشاً ورديئاً، إلى جانب فكرة «مزيكا بوكس» (بيع الأغاني عبر الإنترنت أو رسائل الموبايل) التي لم تحقّق النجاح المطلوب.

وقد أكّد محسن جابر لـ «سيدتي» ذلك عند سؤاله عن أسباب تدهور صناعة الموسيقى، حيث قال: «بسبب العشوائية التي أصابتنا فإن كل من تصيبه أعراض الإبداع يتخيّل نفسه مبدعاً، والكثير من الشعراء والملحنين ليست لديهم شخصية مميّزة. فقديماً، كنا نعرف اسم الشاعر أو الملحن بعد سماعنا للأغنية. لكن، لم يعد ذلك موجوداً.

أما عن الأزمة الحالية، فقال محسن جابر إنها قد تمتدّ إلى عدة أشهر مقبلة، لذلك قرّر عدم طرح أيّ ألبومات منذ بداية العام، مبرراً ذلك بأن طرح ألبومات في ظلّ الأزمة القائمة، يعتبر مغامرة أقرب إلى الانتحار، مشيراً أيضاً إلى أن حفلات «اللايف» (الغناء المباشر) التي كانت تعتبر طوق النجاة لمواجهة خسائر السوق، توقفت هي الأخرى، وأصبحت الشركات تتعرّض لخسائر بالجملة منذ بداية العام، حيث اضطر بعض شركات الإنتاج إلى إغلاق أبوابها وتسريح موظفيها هرباً من الخسائر المتتالية التي تلاحقهم، بعد أن صاروا ينتقلون من مأزق إلى آخر، ما يهدّد صناعة الكاسيت التي تضمّ أكثر من 50 ألف مطرب وموسيقي وشاعر وموظف بالفشل والتشرّد إذا استمرت فوضى القرصنة والأحداث التي تشهدها البلاد العربية.

 

مصير تامر حسني المجهول

الآن، شركة «مزيكا» للإنتاج، متعاقدة مع تامر حسني ـ طفل الشركة المدلل ـ بعد أن ترك منتجه ومكتشفه نصر محروس، مقابل ما يقارب خمسة ملايين جنيه. وهو الرقم المعلن. ولكن الكواليس تقول عكس ذلك، حيث تردّد وقتها، أن تامر تعاقد مع «عالم الفن» بدون مقابل، ولكن تمّ الإعلان عن هذا الرقم من قبيل الدعاية وهي مدرسة محسن جابر الأساسية في التسويق والتي يسير على نهجها تامر حسني منذ بدايته. أياً كان الرقم، إلا أن المؤكّد أن محسن جابر استطاع استخدام تامر للدعاية لشركته، واستثماره كوجه إعلاني لقنواته، لاستقطاب الزبائن من المطربين للتعامل معه. ولكن، الآن، وضع تامر حسني قد تغيّر مائة وثمانين درجة، بعدما فقد مصداقيته عند جيل الشباب المفترض أنه نجمهم المفضّل، على اعتبار أنه «نجم الجيل» (لقبه)، ولم يعد هو الحصان الرابح نظراً لما حدث له في ميدان التحرير.

 

"ميلودي".. التوقف التام

شركة «ميلودي» تعتبر من الشركات المتوقّفة عن الإنتاج منذ فترة وتتعامل مع السوق بنفس نظرية محسن جابر. ولكن، بمقوّمات مختلفة، فلم تصدر الشركة أي إنتاجات لمطرب مصري منذ فترة طويلة، حيث أصدرت مع بدء العام الجديد ألبوميّ نوال الزغبي ورامي عياش، وكان من الواضح طوال الفترة الماضية أن جمال مروان مالك الشركة يفكر في الابتعاد عن الإنتاج نهائياً، وبدا ذلك من طريقة تعامله مع مطرب شركته المدلل حسام حبيب الذي لم يحدّد موقفه من الشركة حتى الآن، على الرغم من أنه يعمل معها على ألبومه منذ أكثر من عامين، ولكنه لم يجدّد تعاقده حتى الآن.

أما شيرين الحديدي المسؤولة الإعلامية لشركة «ميلودي»، فأوضحت أن الشركة ستبدأ في الاتجاه للأسواق الخليجية في الفترة المقبلة، خاصة أنها الوحيدة التي تحظى بالاستقرار خلال الفترة الحالية، وذلك بعد أن حصلت الشركة على موافقات بتوزيع ألبومات عدد من المطربين المصريين واللبنانيين والتونسيين في عدد من بلدان الخليج.

 

نصر محروس.. الأذكى

نصر محروس وشركته «فري ميوزيك» من أقلّ المتضررين من الأزمة، لأنه من بداية انهيار سوق الكاسيت وهو يعي تماماً ما سيحدث وتعامل مع الوضع كما يجب، حيث قام بـ «إعارة» تامر حسني لشركة «عالم الفن». وحصل على مقابل مادي مجز منها، إلى جانب عقد تامر الإعلاني مع شركة المشروب الغازي «بيبسي» الذي حصل فيه محروس على 11 مليون جنيه (2 مليون دولار). كما قام بالتخلي عن شيرين عبد الوهاب لصالح «روتانا» مقابل حصوله على الشرط الجزائي، وكل هذا أفضل بكثير من أن ينتج لهم ويتحمّل الخسارة. وبعد كل ذلك، لم يعد في شركته سوى سومة ودياب وهما سلعة غير مكلفة ساعدته على بقاء كيان شركته مفتوحاً، إلى جانب بهاء سلطان الذي ظلم ألبومه كثيراً. وكان من المقرر طرحه بداية هذا العام ولكن تمّ تأجيله لأجل غير مسمى.

 

"روتانا"... والغموض

شركة «روتانا» تعاملت بتناقض مع إصداراتها هذا العام، فقد أجّلت ألبوم صابر الرباعي لأجل غير مسمّى، بسبب الأحداث الدائرة في الوطن العربي، وفي المقابل، قرّرت التواجد في السوق الخليجي بألبوم تامر عاشور المصري الذي صدر مع نهاية شهر يناير، دون أن يصدر في السوق المصري وهو السوق الأصلي للمطرب. ووصف الكثيرون هذا التصرف بالغريب،على رأسهم تامر عاشور الذي قدّم اعتذاراً للجميع، عمّا فعلته الشركة دون علمه في ظلّ الأحداث التي تمرّ بها مصر.

وقد أكّد تامر لـ «سيدتي» أنه لم يكن على علم بإصدار ألبومه في هذا التوقيت، وأنه فوجئ به مطروحاً على شبكة الإنترنت وعندما بحث في الأمر، وجد أن الشركة طرحت الألبوم في دول الخليج دون علمه.

 

تفاصيل أوسع تجدونها في العدد 1567 من مجلة "سيدتي" المتوفر في الأسواق.