mena-gmtdmp

الأتراك أعادوا «توزيع» وائل كفوري

 الإطلالة الأولى هي أساس في عالم الفن، فإما أن تترك أثراً يتراكم ويصبح قاعدة لانطلاق النجم، أو ينطفئ هذا النجم وسط الزحام، وإما يسقط في السباق الطويل مع الأيام.

وائل كفوري منذ إطلالته الأولى ترك صوته أثراً بين الناس الذين تواصلوا معه على طول الأيام، وإن كانت له «كبوة» بعد نجاحه الساحق الذي حقّقه في شريط «ليل ورعد وبرد وريح»، وأيضاً في الديو الشهير «مين حبيبي أنا» مع نوال الزغبي، وكان ذلك في ذروة تعاونه مع المخرج سيمون أسمر مكتشف النجوم.



الكبوة حصلت فعلاً واستمرّت فترة ليست بقصيرة، كانت لوائل فيها إطلالات خجولة لا تُذكر منها سوى أغنية من ألحان زياد بطرس «سألوني»، وهي كانت بمثابة إشارة للتحوّل الكبير الذي سلكه وائل كفوري في إنتاجه الأخير، وساهم في طول الغياب آنذاك خلافه مع سيمون أسمر الذي تركه يتلمّس طريقه وحيداً.

لكن، لحن أغنية «تبكي الطيور» للملحن التركي سلامة شاهين والذي قدّمه المطرب التركي إبراهيم طاطليس بلغته الأم، دفع الكفوري إلى تبنّي اللحن، فكانت قصيدة الأمير تركي السديري «تبكي الطيور» بمثابة الإكتشاف الكبير لصوت وائل كفوري الذي لم تتمكّن العتابا ولا الأغاني ذات الطابع الفولكلوري، من تثبيت الإكتشاف الأول. فمن الناحية الموسيقية، إستطاع صوت وائل أن يصل إلى مرحلة تسمى «جواب الدو»، وهي درجة عالية في الصوت البشري، عادة لا يصلها إلا المحترفون أمثال وديع الصافي أو صباح فخري والمطربون الأتراك المتمرّسون في هذا النوع من الغناء، فكان لهذا اللحن الأثر الجميل في نفوس «السميعة».. ذلك أن تقنية إبراهيم طاطليس المطرب التركي الشهير في الغناء، يستمع إليها عشّاق الموسيقى العرب من دون أن يدخلوا في تفاصيل ما يقوله هذا المطرب الفذّ، لكنه الإحساس الذي نتحدّث عنه كثيراً، وقليلاً ما نجده في الأوساط الفنية، ما ساعد وائل كفوري في الوصول إلى تلك النوتة الموسيقية التي غيّرت مساره الفني.

بعد هذه الأغنية، خرج وائل كفوري من مطرب الحفلات ذات الطابع اللبناني الجبلي، إلى مرحلة المطرب النجم الذي فرض على جمهوره استخدام (الأذن) المناط بها السمع والإستمتاع، وتواصلت الأغاني التي بات لصوت كفوري الثقل الأكبر فيها، مستنداً إلى خبرة من خلال مسيرته الفنية، تخوّله انتقاء الشعر الجيد واللحن العصري المحافظ على شروط المغنى، كما في أغنية «لو حبنا غلطة» وأيضاً في أغنية «بيحن». وائل اليوم، أحد نجوم الأغنية اللبنانية المنتشرة عربياً، تخطّى مرحلة التجربة، مكتشفاً خطاً يحتاجهالجمهور الذي استنجد بالأتراك كي يلحقوه بالدراما والأغنية وأخيراً بالسياسة.

الجملة الأكثر استهلاكاً بين الفنانين «حبيب قلبي» شديدة المعنى خالية من «دسم» المشاعر، تستعمل في اللقاءات التلفزيونية، حين يسأل أحدهم عن الآخر فيقول: «حبيب قلبي فلان أو علان»، وليس من الضروري أن يكون له في قلبه حبّة من الحب. تستعمل هذه «حبيب قلبي» حين يجمعهم حفل أو مهرجان، أو واحد من الذين أنعم عليهم  بقدرات مالية ضخمة لجمع الأضداد، عنده تترك الأحقاد على صفحة، فآلاف الدولارات تصحّح العلاقات، وتكثر من الحب في القلب، على طريقة الفنانين. بهذا، أفقد أهل الفن المعنى الحقيقي لهذه الجملة (حبيب قلبي) فهي الجملة السحرية على الطريقة اللبنانية، وهي مستخدمة أيضاً في اللهجة المصرية وأغنية أم كلثوم تشير إلى ذلك.. "حبيب قلبي يا قلبي عليه ولو حتى .. يخاصمنـي".

الحفل الأخير للـ «موركس دور»، تابعته كغيري من المهتمّين بقضايا الفن، وأكثر ما لفتني هو عدم تجاوب الجمهور، وأكثره من الفنانين أو العاملين في هذا المجال، وعلى الرغم من محاولات المخرج باسم كريستو سرقة ابتسامة أو تصفيق حاد أو مجرّد انفعال تجاه الرابحين من الفنانين الزملاء، إلا أن ذلك لم يحصل إلا قليلاً، وهذا دليل آخر على عدم صحة المجال الفني الذي

لا يحمل الكثير من المودّة بين أهل الكار، رغم معرفتهم المسبقة بأنهم جاؤوا ليحصلوا على جوائز، إذ ليس هناك من منافسة حقيقية بالمفهوم التنافسي بل هي مجرّد «تكريم» والمهرجان كرّم البعض فعلاً. وهنا، لا بدّ من الإشارة إلى أن الجوائز يجب أن تحمل كلمة تكريم لا «أفضل» لأن هناك أفضل في جميع المجالات، والمنافسة معدومة: فأين هم المتنافسون من الفنانين؟ إذاً، لمَ هذا الجحود ولمَ كل هذه السلبية في تلقّي نجاح أي من الوسط الفني المفترض أنه «نخبوي»؟!

وعلى طريقة الفنانين جميعم «أحباب قلبي» تذكّروا كم أنتم محظوظون، فالكثير من طاقات الأمة تُصرف على جمالكم، ودلالكـم، وحرّاسكم، و«فيديوهاتكم»، وألحانكم، وتوزيعاتكم، وسفركم، وإقاماتكم، ومهرجاناتكم  وووو.. وتذكّروا عند استخدام كلمة «حبيب قلبي» أن تكون من نواحي القلب.