نجوى كرم تدخل فيلليني الإيطالي لعالم الدبكة!

جديد نجوى كرم، كما جرت العادة، يفرض نفسه على الوسائل التي تعنى بالأغنية. فنجوى كما يحلو للبعض أن يسمّيها..«شمس الغنية اللبنانية». دقيقة في اختيار الحفلات والبحث عن الأغنية الجديدة و«اللوك» الجديد والظهور بالصورة «الشابة» التي تحرص على الإطلالة بها في وسائل الإعلام المرئية خاصة.
بعد «بالروح بالدم» التي شغّلت فيها فرقة من الجيش اللبناني لتصوير «فيديو كليب»، أعطت من خلالها بعداً آخر للفكرة، فنجوى التي تحاكي الحبيب بالمعنى الإنساني ربطت مطلع الأغنية بـ (الجيش)...لتضرب العصافير مجتمعة، ولتوجّه روحها ودمها للحبيب العسكري.. وللوطن المفتدى أصلاً بالروح وبالدم، أصدرت أغنية جديدة بعنوان «لشحد حبك من عند الله شحادة». عنوان الأغنية الجديدة التي استمعنا إليها عبر الإذاعات، واليوم تعرضها القنوات الفضائية كـ«فيديو كليب»، من إخراج فادي حداد الذي لمع اسمه في الفترة الأخيرة، وبات ضمن المجموعة «الذهبية» لمخرجي «الفيديو كليب» اللبنانيين التي خسرت أحد نجومها (يحيى سعادة) أثناء التحضير لتصوير فيديو للفنانة مايا دياب.
قد يكون فادي حداد نجح في تقديم العديد من الأعمال، إلا أن أغنية «علواه» لملحم زين تبقى الأكثر قدرة على «الإدهاش» بالمعنى الإيجابي. فأغنية «علواه» المصوّرة، اقتربت كثيراً من معاني كلامها التي كتبها وسام الأمير ولحّنها، وهو لحن قريب من الألحان الشعبية المنبثقة من فصيلة الدلعونا والحدا والغناء البعلبكي.
لقطات راقصي الدبكة في مواقع لبنانية مختلفة على كلمات «علواه نرجع متل ما كنا»، خلطة لطيفة، وفيها تجانس غير مفروض على مكوّنات الأغنية. لكن، في أغنية «لشحد حبك» للمطربة نجوى كرم، نجد المخرج فادي حداد وقد ذهب وبكل جرأة «لسرقة» مشاهد كاملة من فيلم «9» المقتبس في الأصل من فيلم فيلليني الذي نال العديد من الجوائز، وقدّمت القصة على مسارح برودواي...رغم انتماء لحن الأغنية الجديدة إلى نفس الأسلوب القديم، لهجة بدوية قريبة من لهجة بدو سوريا والعراق. «استوحى» مخرج «فيديو كليب» نجوى «لشحد حبك» من قصة هي في الأصل عمل استعراضي موسيقي حول مخرج في أواخر الأربعينيات من عمره يدعى جوديو كونتيني، يؤدّي دوره الممثل البريطاني دانيال دي لويس الذي يعاني من أزمة منتصف العمر التي تتركه عاجزاً عن الإبداع، وهو غارق في دوّامة من المشكلات العاطفية...ويحاول الانتهاء من آخر أفلامه «التاسع والأخير» وعليه الموازنة بين نساء عدّة. سبق وأن قام بالتمثيل في فيلم «شيكاغو» الحاصل على دستة جوائز أوسكار للمخرج روب مارشال.
تطلّ نجوى كرم في هذا الفيديو المغنّى بلهجة قريبة من البدوية، وهي غاية في الأناقة المبرزة لمواطن الجمال عندها
ـ أهمها النحافة ـ ومجموعة الفساتين المميّزة التي أظهرت الكثير من جسد نجوى، المحافِظة أصلاً، إلا أن المنافسة مع الوجوه الجديدة والمفاهيم الجديدة للإنتاج قد تدفع بعض المطربات أمثال نجوى، رغم جمال صوتها وقوته، إلى تقديم بعض التنازلات كالجينز الضيّق، أو الفستان صاحب الفتحات المدهشة، أو استعراض للكتفين المساعدين على الإطلالة للصورة المتلفزة.
لعلّ موضوع الفيلم هو نفسه ما دفع المخرج حداد إلى تبنّي فكرة الإفلاس الفني وهي شيفرة فيلم «9»...ولعلّ نجوى لم تجد الوقت الكافي للإطّلاع على الأفلام السينمائية الجديدة، كي تتجنّب الوقوع ضحيّة فكرة «مسروقة» من فيلم يعرفه كل من ذهب يوماً إلى السينما ليرمي السلام على أحد عمالقتها فيلليني قبل أن يصبح «دبّيكاً» خلف نجوى كرم على أغنية تحثّ على الشحادة.
فضل شاكر على الخريطة
ما سرّ فضل شاكر؟ وأين تكمن قوة حضور هذه الشخصية التي تخشى المواجهة الإعلامية؟
ما سرّ الإتفاق بين الجمهور والفنانين على أن فضل حسّاس وإحساسه مميّز؟ مقبول في الخليج ومحبوب في المغرب العربي، حضوره يُحدث جلبة يسبقه إليها الوسوف فقط، يعشق صوته المصريون وفي لبنان وسوريا وفلسطين له جمهور يمتدّ على الخريطة السياسية والجغرافية.
قد تجدون الكثير من فئة فضل الصوتية الهادئة والناعمة والقادرة على إيصال النغمة من دون تعقيد، وهذا ما جعله مقبولاً لدى السمّيعة المحترفين والمستمعين الذين لا يدخلون في متاهات التحليل...فهم إما يحبّون أو لا يكترثون أبداً...هم بحاجة إلى التقاط العنوان من الأغنية والتعامل مع لحن سهل دون تعقيدات التلوين الموسيقي الذي يجذب بعض المطربين لإظهار قدراتهم على التطريب، أو الاستعراض فقط من أجل الاستعراض. لا يمرّ فصل من دون أن يسجّل فضل شاكر نقطة ضمن العشر الأوائل من الأغاني الأكثر استماعاً... المعادلة التي قدّمت فضل إلى الجمهور تكمن في نظرية السهل الممتنع. تجده في الأغاني الطربية التي يعيد غناءها في حفلاته، يقرّب الأبعاد، ويخفّف من وطأة الكلاسيكية في أغاني عبد الحليم، أو شادية أو فايزة أحمد أو وردة.. وتجده أكثر حداثة حين يغني «يا غايب ليه ما تسأل» أو «حبيبي يا حبيبي أنا اشتقتلك أنا بحنلك» بحيث ينتقل من غربية اللحن إلى شرقيته بإسهاب غارق في الحساسية، مرتكزاً على نغمة شرقية جذّابة للأذن بعد فواصل البيانو بقدر محسوب...
يحرص فضل شاكر على إشراك جمهوره الذي ليست لديه إمكانية لحضور حفلاته الخاصة أو العامة، فالأعذار كثيرة، وأهمها الاقتصاد. تجد صوته «يرندح» على عربة تبيع الموسيقى في شوارع بيروت أو دمشق أو القاهرة، وغالباً ما يحلو للباعة أن يعرضوا حفلاته فهي الأكثر تأثيراً على الزبائن الباحثين عن أغنية تخفّف وهج الحياة، أو تقرّب المسافة بين غريب وبين مدينة ضاقت شوارعها عن استقباله.
لعلّ نجاح فضل شاكر جزء كبير منه اكتفاؤه بإعلان موهبته الغنائية فقط، من دون الدخول في «ثرثرة» البرامج. في أغنيته الجديدة «يا ويلي تعبان»، يقول فضل «يا ويلي/ يا ويلي/ تعبان/ خايف تجرحني الأحزان» تنتمي هذه الأغنية إلى الطرب الخفيف المفعم بالبساطة والمدعّم بالكلمة تزيّنه الإيقاعات المسموعة والمقسومة فاسحة المجال للسمع، وهذا مطلب نحتاجه لو كنّا راقصين حزناً أو فرحاً.
آمال ماهر (كبيرة) عندما تغني للكبار..
"ورطة" هذا الفن أحياناً... فكل حركة يقوم بها الفنان تحسب عليه، وأي عمل يقدم باتجاهه قد يسجنه في داخله إلى ما شاء الله.. فالخروج من جلباب الكبار صعب أحياناً وخاصة هذه الأيام ونحن نبحث عن إبرة وسط أطنان من القش.
آمال ماهر الطفلة الصغيرة التي لم تكن لتعلم أنها ستسجن في صوت أم كلثوم ...دخلت إلى عالم «ثومة» وعلقت... تزور البلاد وتعمل جاهدة على نزع صورة وصوت أم كلثوم من ذاكرتها، لكن عبثاً تحاول.. فالتصفيق ينهمر عندما تبدأ الفرقة الموسيقية بنشر النغمات العالقة في ذاكرة الناس المصرّين على الذوق والتشدّد في الحفاظ عليه. ما أن تُهرّب أغنية من أغانيها الخاصة حتى ينزل مستوى التصفيق إلى النصف، ويتشتّت السمع رغم الاستعانة بملحنين كبار صمّموا على مساعدتها، إلا أن تلك الكلمات وتلك الألحان الخالدة لها وقع آخر لا يحتمل التزييف...آمال ماهر لا ينقصها قدّ
ولا يعيبها طول، وشعرها غجري أسود ينساب فوق نحيل جسدها الفرعوني الأسمر المذهّب... والكلمات التي تنطق بها أحياناً للترحيب أو الشكر تدلّ على تهذيب منزلي يحيطه الخجل العشريني...رغم ذلك، لا مكان لآمال إلا في صوت الكبار.. فلا تحزني آمال ماهر فالصغيرات كثيرات وصوتهن يصغّرهن أكثر فأكثر، غنّي لنا أغاني الكبار كي لا تموت هذه الألحان آخر ثرواتنا الطبيعية.