اتخاذ القرار هو عملية عقلية تتضمن التفكير، التحليل، والمفاضلة بين الخيارات المتاحة للوصول إلى أفضل حل ممكن. لكن هل تختلف هذه العملية بين الشاب والفتاة؟ وهل تلعب العوامل النفسية والاجتماعية والثقافية دوراً في تشكيل أسلوب كل منهما؟ هذا ما سنناقشه في هذا الموضوع.
في كل مكان من جلسات العلاج إلى المقاهي، من الدورات التدريبية إلى الأحاديث العائلية، يتكرر السؤال: "لماذا تتخذ النساء قرارات بدافع العاطفة؟" "ولماذا يبدو الرجال أكثر منطقية؟".
هذه التساؤلات تكشف عن تصورات شائعة، ولكنها في الغالب مبنية على قوالب نمطية وروايات اجتماعية موروثة أكثر منها على حقائق نفسية أو علمية. فهل فعلاً الاختلاف في اتخاذ القرار بين الرجل والمرأة مسألة بيولوجية؟ أم أن الجواب أعمق بكثير مما نتصور؟
اختصاصية الصحة النفسية ساندرا فاعور اللقيس تشرح لـ"سيدتي" هذا الموضوع.
عوامل صُنع القرار

اتخاذ القرار هو عملية عقلية تتضمن التفكير، التحليل، والمفاضلة بين الخيارات المتاحة للوصول إلى أفضل حل ممكن. لكن هل تختلف هذه العملية بين الشاب والفتاة؟ وهل تلعب العوامل النفسية والاجتماعية والثقافية دوراً في تشكيل أسلوب كل منهما؟
القرار لا يُصنع بالعقل وحده. القرار فعل ذهني، لكنه يتأثر بشبكة معقدة من العوامل غير الواعية:
- التربية التي تلقاها الفرد منذ طفولته
- الذكريات العاطفية
- الضغوط الاجتماعية
- التوقعات العائلية
- الخوف من الفشل أو الرفض
- الحاجة إلى القبول والانتماء
وهذه العوامل تختلف من شخص لآخر، بل حسب التجربة الشخصية والظروف والبيئة.
ما رأيك متابعة متى تبدأ تحمل المسؤولية عن حياتك الشخصية؟
البرمجة المجتمعية تسبق البيولوجيا
- منذ الصغر، تُلقَّن الفتيات أن يكنّ حذرات، ألا يُظهرن طموحاً مفرطاً، وأن يرضين الجميع. بينما يُشجَّع الفتيان على الحزم، المغامرة، واتخاذ القرار بسرعة دون تردد.
- هذه البرمجة لا تخلق فقط أساليب مختلفة في اتخاذ القرار، بل تجعل أي شخص يشعر بالذنب أو الشك حين يحاول الخروج عن هذه القوالب.
- عندما يصبح القرار انعكاساً للخوف وليس للوعي.
- في كثير من الأحيان، لا يُتخذ القرار لا من القلب ولا من العقل، بل من الخوف.
- الخوف من الرفض، من الفقد، من الوحدة، من أن نُوصم بالفشل، أو أن نخيب توقعات الآخرين.
- رأيت نساء يقلن "نعم" وهنّ يصرخن "لا" في داخلهن. ورجالاً يبدون واثقين، لكن أعينهم تقول "أنا لست جاهزاً بعد".
علامات النضج في اتخاذ القرار

- القدرة على قول "لا" من دون الشعور بالذنب: عندما يكون الإنسان قادراً على رسم حدوده من دون خوف من إزعاج الآخرين.
- التحرر من التبعية: التوقف عن انتظار موافقة المجتمع أو الأهل أو الشريك لاتخاذ قرار مصيري.
- تحمّل نتائج الاختيار: لا توجد قرارات مضمونة، لكن الناضج هو من يقف أمام اختياره بشجاعة.
- إعادة تقييم العلاقات باستمرار: مراجعة منْ يؤثر في قراراتنا، والتمييز بين الداعم والمثبِّط.
- فهم الحاجات النفسية: أن نفهم دوافعنا الحقيقية: هل نختار من مكان حب؟ أم من مكان نقص وخوف؟
كيف نتعلم أن نقرر بوعي؟
- نعود إلى داخلنا، ونسأل: هل هذا القرار يعكس حقيقتي؟
- نكتب، نتأمل، ونُعيد الاتصال بصوتنا الداخلي.
- نتعلم الإصغاء لأنفسنا، لا للضجيج من حولنا.
- نتحمل مسؤولية القرار، ونتعلم من نتائجه لا أن نندم عليها.
العوامل المؤثرة في اختلاف الأسلوب
- التنشئة الاجتماعية: تلعب التربية دوراً كبيراً في تشكيل أسلوب اتخاذ القرار. الفتاة تُربى غالباً على الحذر والانضباط، بينما يُشجع الشاب على الجرأة والاستقلال.
- الضغوط المجتمعية: المجتمع يفرض توقعات مختلفة على الجنسين، مما يؤثر على طريقة تفكيرهم. الفتاة قد تفكر في نظرة المجتمع لقرارها، بينما الشاب قد يركز على إثبات الذات.
- الخبرات الشخصية: التجارب السابقة تلعب دوراً مهماً. من مرّ بتجربة فاشلة قد يصبح أكثر حذراً.
القرار يحتاج أن يكون واعياً
- القرار القوي ليس دائماً الصوت العالي، بل قد يكون الهمسة الصادقة في داخلنا التي تقول: "هذا ما أريده، وهذا ما لا أريده".
- وحين نقرر، نكون قد بدأنا فعلاً طريق الحرية والاتزان، رجالاً ونساءً على حد سواء.
- التحليل العاطفي مقابل التحليل العقلاني غالباً ما يُقال إن الفتيات يمِلن إلى إدخال العاطفة في قراراتهن، بينما يميل الشباب إلى التفكير العقلاني والمنطقي. لكن هذا التعميم لا ينطبق على الجميع؛ إذ تختلف الشخصيات والظروف.
- الاندفاع مقابل التروي: تشير بعض الدراسات إلى أن الشباب أكثر ميلاً للاندفاع واتخاذ قرارات سريعة، خاصة في المواقف التي تتطلب مغامرة أو تحدياً. في المقابل، تميل الفتيات إلى التروي والتفكير في العواقب بشكل أعمق.
يمكنك أيضاً الاطلاع على متى تبدأ تحمل المسؤولية عن حياتك الشخصية؟
- الاعتماد على الآخرين: الفتيات غالباً ما يلجأن إلى استشارة الأهل أو الأصدقاء قبل اتخاذ القرار، بينما يميل الشباب إلى الاستقلالية والاعتماد على الذات، خصوصاً في مرحلة المراهقة والشباب المبكر.