مايا الهواري 
مايا الهواري 

مقولة يتّخذها البعض حِكمتهم في الحياة وهي: تظاهر بأنّك بخير دائماً مهما عصفت بك الحياة، فالكتمان أجمل بكثير من شفقة الآخرين عليك، لأنّ الله تعالى يُخرج الحيّ من الميّت، ويُخرج الميّت من الحيّ، وقادر على أن يجعل لكلّ إنسانٍ مخرجاً من حيث لا يحتسب، ويتظاهر البعض بالقوّة لأنّه يمتلك داخله فكرة كارثيّة تقول: إنّ التّعبير عن المشاعر هو ضربٌ من ضروب الضّعف والمهانة، أي أنّ كتمان المشاعر أو المشاكل توفّر على الشّخص عناء التّعبير عنها، وكذلك حفظ مكانته من كلمات الآخرين الشّامتة والحاقدة لما يمتلكونه من أفكارٍ غريبة، ولاسيّما عند حصول حالات معيّنة، كالطّلاق مثلاً أو أيّة مشاكل صحّيّة، أو التّعرّض لانتكاسة ماليّة، أو مشكلة تخترق حياة الإنسان، علماً أنّ هذه هي طبيعة الحياة، إذ ليست كلّها ورديّة، بل تتفاوت بين الجيّد والسّيء، الفرح والحزن، الإيجابيّ والسّلبي، وهذا ليس حكراً على أحد، إنّما يصيب كلّ البشر من دون استثناء، والبعض يحمل في داخله أفكاراً خاصّة به بأنّ البوح بالمشاكل أو الأمراض أمر غير مرغوب لديه، ويجعل الحاقدين يشمتون منه، وبالتّالي يُظهرون له ما يكنّون من غلٍّ في صدورهم، فيلجأ إلى التّكتّم على مثل هذه الأمور الّتي تصيبه وعدم رغبته بأن يسمع الآخرون قصصه خاصّة السّيّئة منها أو السّلبيّة، حتّى لا يظهر بموقف ضعيف أمامهم، وهذا تصرّف صحيح مع الأشخاص الغرباء الّذين لا تربطه بهم صلة قرابة، أمّا الأهل والأخوة والأبناء فهؤلاء يقدّمون المساعدة والنّصيحة، كما لا ينبغي الحذر منهم والخوف من شماتتهم، إلّا إذا كان الشٍخص نفسه يشمت بهم عند تعرّضهم للنّائبات، فكلّ شخص يرى النّاس بعين طبعه، فالدّنيا عادلة تدور على الجميع.
إنّ الإنسان المؤمن الواثق بالله تعالى لا يعطي أهمّية لكلام النّاس وتفكيرهم الشّامت الّذي لا فائدة منه سوى إتلاف للأعصاب وغرق بالهموم، ورفض لأيّ مساعدة يتمّ تقديمها من قِبل الغير، لأنّ كرامته تجعله يرفض المساعدة والنّصح، ولكنّ الإنسان كتلة من المشاعر والعاطفة والطّاقة الّتي تتلاشى مع الوقت، وتحتاج لإعادة شحنها، وبالتّالي يحتاج للمواساة والوقوف بجانبه ودعمه في ظروفه الصّعبة، لينزع عن وجهه قناع القوّة، وأنّه إنسان يستطيع تحمّل الكثير ما يرهقه داخليّاً وخارجيّاً، متحمّلاً فوق طاقته كأنّه رجلٌ خارق قادر على تحمّل كلّ هذا الضّغط .
الطّريقة الصّحيحة للتّعايش مع الحياة وتطوّراتها وتغيّراتها أن يعيش الإنسان حياة طبيعيّة، مع إيجاد الحلول لكلّ مشكلة تعترضه، من مرض أو عجز مالي وغيرها وأن يتحلّى بالصّبر متخلّياً عن الكتمان الّذي يتلف الأعصاب مستقبلاً، فهو أشبه بالنّزيف الدّاخليّ لا يلاحظه أحد، لكنّ آلامه تؤلم حدّ الهلاك، فما يكتمه الإنسان في قلبه يأخذ من عافيته، فليتصالح كلّ منّا مع ذاته ويتقبّل كلّ ما يتعرّض له قبولاً حسناً وسيجد المخرج من كلّ مأزق.