mena-gmtdmp

المرأة التّي سرقت حياتي

فائقة قنفالي

المرأةُ التّي سرقتْ حياتي، هذه الحياة الرّتيبة الهادئة صارتْ حياتي أنا.

 امرأة تعمل، ترتّبُ البيت، تعتني بالأولاد، تُلبّي كلّ حاجيّاتهم، تسهرُ على راحتهم، تراقبُ واجباتهم المدرسيّة وأحياناً تُعدّها بدلاً عنْهم وإن وجدتْ وقتاً تُشاهد المُسلسلات المُدبلجة، وتنامُ باكراً.

حياة تسيرُ مثل قطار بضائع من دُون سائق، من دُون توقّف، من دُون انتظار ومن دُون خُروج عن السكّة، حياة هادئة مثل برْكة ماء لا يعبرُ نحوها أيّ نهر.

 خزانة ملابس بالألوان نفسها داكنة والموديلات الرسميّة والمستهلكة، صندوق ماكياج قديم مهمل، نادراً ما تستعمله، قلم كحْل أسود وبقايا قارورة عطر مخصّصة للمناسبات؛ لأنّها تنشغل بروائح المعقّمات والأدوية ومواد التّنظيف، حتّى طلاء الأظافر نسيتْ كيف يستعمل ومع ذلك تحتفظ ببقايا القوارير.

هذه الحياة حياتي التّي حُبستُ داخلها وتعوّدت عليها، لا أعرف شيئاً خارجها، تتمحور حول طلبات الأولاد والزّوج والبيت، والطريق إلى السوق والمدرسة والعمل. تدور حول الآخرين وتريحهم. بلا ألوان وبلا حركة، تحدُثُ بشكل عفويّ ومنتظم كما لو كنتُ امرأة آليّة ببرمجة مسبّقة وغير قابلة للتّعديل. لا تحيد عن المسار إطلاقاً مثل قطار بلا سائق.

 لكنّ هذه المرأة التّي يعرفها الآخرون لا تشبهني. سرقت حياتي وأعادتْ تشكيلها كما يُحبّ الآخرون لترضيهم. في الحقيقة أنا امرأة لم تغادر طفولتها أبداً.

بلغت الثلاثين وتجاوزتها، ومازالت تلعب الدحل وتعدّ حتّى مائة بلا كلل حتّى يختبئ أصْدقاؤها وتجدهم، تعتقد أن أصابعها مقصّ في لعبة الحجرة والورقة والمقصّ.

 تبكي بحرقة فقطْ لأنّ قطة صغيرة تجوبُ الشّارع وحيدة في حين أنّ هذه المرأةُ التّي يعرفُها الجميع تضعُ دواء لقطط الحيّ كي لا يعبثوا بحديقتها.

 تنامُ المرأة التّي يعرفُها الجميع باكراً في حين تسهر هذه المرأة لوقت متأخّر تقرأُ الكتب وتسمعُ مُوسيقى من زمن بعيد وأحياناً كثيرة ترقصُ مع ظلّها، تشربُ قهوتها على مهل وتُدندن بأغانٍ كثيرة، أغاني حبّ مُعتّقة، تجلسُ آخر الليل وحيدة وتكتبُ رسائل كثيرة لأناس كُثر مجانين ووحيدين، وتنتظرُ ساعي البريد ساعات طويلة من دون كلل، في حين المرأة الأخرى التّي يعرفُها الجميع لم تعد تحتفظُ بأيّ ورقة بيضاء. امرأة تعلق أمنيّات على أبواب البيوت المُغلقة تسمحُ لنفسها بأن تسعد الأخريّات، تركبُ دراجة هوائية وتلحق بحبيبها المتخيّل بينما الأخرى تجمع الفواتير وتركض لتسديدها؛ لأنّها تخشى الشّجار مع زوجة صاحب البيت وتطبخ لكلّ فرد ما يحبّ؛ لأنّها لا تريد إغضابهم وتنسى أن تتذوّق طعم الطعام. تطبخ بلا روح ولا قلب ولا تضيف رشّة الحب بينما المرأة السرية تضيف الحب مذاقاً مميزاً لطعامها، تحب ذاتها وإشراقتها كل صباح على العالم. المرأة السارقة لا تجد الوقت لتزيل أعشاش العنكبوت من غرفها السريّة بينما المرأة السريّة تمضي كل اليوم ترعى حديقتها السريّة وتهرب من ضجيج العالم. الأولى سجينة واجبها وضميرها، والثانيّة حرة ومنطلقة تحبّ ذاتها وتخلص إليها. لا تلتقي الاثنتان مطلقاً وإن حدثت المصادفة واجتمعتا فإنّني أفقد توازني ولا أعرف أبداً أن أكون حقاً؟ والأسوأ أني لا أصبح قادرة على تمييز أيّ امرأة منْهما سرقتْ حياتي حقاً؟