من‭ ‬أين‭ ‬نبدأ‭ ‬الحكاية؟

فائقة قنفالي
فائقة‭ ‬قنفالي
فائقة‭ ‬قنفالي

لا‭ ‬أتذكر‭ ‬حقاً‭ ‬كيف‭ ‬حدث‭ ‬هذا؟‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬الأمر‭ ‬أنك‭ ‬جئت‭ ‬متأخراً،‭ ‬عندما‭ ‬توقفت‭ ‬عن‭ ‬البحث‭ ‬عنكَ‭. ‬عليّ‭ ‬أن‭ ‬أعترف‭ ‬بأنني‭ ‬لم‭ ‬أبحث‭ ‬كثيراً‭. ‬كنتُ‭ ‬أظّنك‭ ‬وهماً‭ ‬تقذفه‭ ‬ذاكرتي‭ ‬بين‭ ‬الحين‭ ‬والآخر‭ ‬حين‭ ‬كانت‭ ‬صديقاتي‭ ‬يحدثنَنِي‭ ‬عن‭ ‬رغبتهن‭ ‬في‭ ‬الارتباط‭ ‬برجل‭ ‬وسيم،‭ ‬بينما‭ ‬كنتُ‭ ‬أريد‭ ‬أن‭ ‬يذهب‭ ‬بي‭ ‬بالحب‭ ‬نحو‭ ‬المستحيل‭. ‬ركضت‭ ‬خلف‭ ‬الحب‭ ‬مطوّلاً؛‭ ‬بحثاً‭ ‬عن‭ ‬صورة‭ ‬ما‭. ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬كان‭ ‬يملأ‭ ‬مخيلتي،‭ ‬ولا‭ ‬قدر‭ ‬على‭ ‬هزّ‭ ‬جذوع‭ ‬القلب‭ ‬وعروقه‭. ‬حتى‭ ‬انصرفت‭ ‬عن‭ ‬البحث‭. ‬ونسيتُ‭ ‬شكل‭ ‬الحب‭ ‬الذي‭ ‬أريد‭.‬
كنتُ‭ ‬جالسة‭ ‬في‭ ‬مقهى‭ ‬وحيدة‭ ‬ومنسية‭. ‬أفكر‭ ‬في‭ ‬اللاشيء،‭ ‬حين‭ ‬دخلت‭ ‬من‭ ‬الباب‭ ‬تلبس‭ ‬معطفاً‭ ‬أخضر‭ ‬بلون‭ ‬الزيتون،‭ ‬ونظارات‭ ‬سوداء‭ ‬تمشي‭ ‬بهدوء،‭ ‬جلست‭ ‬في‭ ‬الطاولة‭ ‬المقابلة‭ ‬لي،‭ ‬كنت‭ ‬شاردة‭ ‬بعيداً،‭ ‬وما‭ ‬كنت‭ ‬لألاحظ‭ ‬وجودك‭ ‬لولا‭ ‬عطرك‭ ‬القوي،‭ "‬ليل‭ ‬الرجل‭". ‬كان‭ ‬اسم‭ ‬العطر‭ ‬في‭ ‬حد‭ ‬ذاته‭ ‬مغرياً‭ ‬وساحراً‭ ‬ولافتاً‭ ‬للانتباه‭ .‬
إنك‭ ‬هنا‭ ‬الآن،‭ ‬كما‭ ‬رسمتك‭ ‬مخيلتي‭ ‬لسنوات‭. ‬بلا‭ ‬مقدمات،‭ ‬بلا‭ ‬مواعيد،‭ ‬كنتُ‭ ‬دائماً‭ ‬ما‭ ‬أخرج‭ ‬بكامل‭ ‬أناقتي‭ ‬لعلني‭ ‬ألتقيك،‭ ‬ونسيت‭ ‬هذه‭ ‬العادة‭ ‬حين‭ ‬فهمت‭ ‬أنك‭ ‬مستحيلٌ‭ ‬لا‭ ‬يأتي‭. ‬جلست‭ ‬وحيداً‭. ‬طلبت‭ ‬قهوة‭ ‬سوداء‭ ‬بقطعة‭ ‬سكر‭ ‬واحدة‭ ‬وحركتها‭ ‬ببطء‭. ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬تحرك‭ ‬القهوة،‭ ‬كنت‭ ‬تحرك‭ ‬البراكين‭ ‬الساكنة‭ ‬في‭ ‬قلبي‭ ‬منذ‭ ‬الأزل‭. ‬
تشرب‭ ‬قهوتك‭ ‬بهدوء‭ ‬كأنّ‭ ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬معك‭ ‬في‭ ‬المكان‭ ‬وتفكر‭ ‬في‭ ‬شيء‭ ‬ما‭. ‬يلوح‭ ‬قلبي‭ ‬إليك‭ ‬ولا‭ ‬تراه‭. ‬لا‭ ‬أبعد‭ ‬بصري‭ ‬عنك،‭ ‬تبتسم‭ ‬لي‭ ‬حين‭ ‬تراني‭. ‬ابتسامتك‭ ‬تشبه‭ ‬الاستعارة‭. ‬يرتجف‭ ‬قلبي‭ ‬مثل‭ ‬طائر‭ ‬بري‭ ‬أصابته‭ ‬رصاصة‭ ‬وينتفض‭. ‬وبدل‭ ‬الدماء‭ ‬يغمرني‭ ‬الفرح،‭ ‬فرح‭ ‬خفي‭ ‬ونادر،‭ ‬فرح‭ ‬بشيء‭ ‬ما،‭ ‬ظننته‭ ‬مستحيلاً‭.‬
كيف‭ ‬يصير‭ ‬المستحيل‭ ‬حقيقة؟‭ ‬إنك‭ ‬هنا‭ ‬أمامي‭ ‬تبتسم‭ ‬لي،‭ ‬تأتي‭ ‬إلى‭ ‬طاولتي‭ ‬تمد‭ ‬يدك‭ ‬مسلماً‭. ‬هل‭ ‬مددت‭ ‬يدي‭ ‬أم‭ ‬مفاتيح‭ ‬قلبي؟‭ ‬لا‭ ‬أدري‭. ‬سحبتَ‭ ‬الكرسي‭ ‬المقابل‭ ‬وجلستَ‭. ‬صمتنا‭ ‬معاً،‭ ‬تُدخن‭ ‬سيجارتك‭ ‬بهدوء‭ ‬وأنا‭ ‬أحاول‭ ‬ترتيب‭ ‬الكلمات‭ ‬لأقول‭ ‬لك‭ ‬هل‭ ‬كان‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تتأخر؟‭ ‬هل‭ ‬تعرف‭ ‬كم‭ ‬انتظرتك؟‭ ‬هل‭ ‬أنت‭ ‬حقاً‭ ‬ذاته‭ ‬رجل‭ ‬المستحيل‭ ‬والحب‭ ‬والليل،‭ ‬الفارس‭ ‬الخفيّ‭ ‬الذي‭ ‬رسمته‭ ‬مخيلتي‭ ‬وهِمْتُ‭ ‬به‭ ‬ومعه‭ ‬في‭ ‬حدائق‭ ‬الحب‭ ‬السرية؟‭ ‬تتداخل‭ ‬الكلمات،‭ ‬ولا‭ ‬أعرف‭ ‬أي‭ ‬الأسئلة‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬أطرح‭ ‬أولاً؟