لا أتذكر حقاً كيف حدث هذا؟ كل ما في الأمر أنك جئت متأخراً، عندما توقفت عن البحث عنكَ. عليّ أن أعترف بأنني لم أبحث كثيراً. كنتُ أظّنك وهماً تقذفه ذاكرتي بين الحين والآخر حين كانت صديقاتي يحدثنَنِي عن رغبتهن في الارتباط برجل وسيم، بينما كنتُ أريد أن يذهب بي بالحب نحو المستحيل. ركضت خلف الحب مطوّلاً؛ بحثاً عن صورة ما. لا أحد كان يملأ مخيلتي، ولا قدر على هزّ جذوع القلب وعروقه. حتى انصرفت عن البحث. ونسيتُ شكل الحب الذي أريد.
كنتُ جالسة في مقهى وحيدة ومنسية. أفكر في اللاشيء، حين دخلت من الباب تلبس معطفاً أخضر بلون الزيتون، ونظارات سوداء تمشي بهدوء، جلست في الطاولة المقابلة لي، كنت شاردة بعيداً، وما كنت لألاحظ وجودك لولا عطرك القوي، "ليل الرجل". كان اسم العطر في حد ذاته مغرياً وساحراً ولافتاً للانتباه .
إنك هنا الآن، كما رسمتك مخيلتي لسنوات. بلا مقدمات، بلا مواعيد، كنتُ دائماً ما أخرج بكامل أناقتي لعلني ألتقيك، ونسيت هذه العادة حين فهمت أنك مستحيلٌ لا يأتي. جلست وحيداً. طلبت قهوة سوداء بقطعة سكر واحدة وحركتها ببطء. لم تكن تحرك القهوة، كنت تحرك البراكين الساكنة في قلبي منذ الأزل.
تشرب قهوتك بهدوء كأنّ لا أحد معك في المكان وتفكر في شيء ما. يلوح قلبي إليك ولا تراه. لا أبعد بصري عنك، تبتسم لي حين تراني. ابتسامتك تشبه الاستعارة. يرتجف قلبي مثل طائر بري أصابته رصاصة وينتفض. وبدل الدماء يغمرني الفرح، فرح خفي ونادر، فرح بشيء ما، ظننته مستحيلاً.
كيف يصير المستحيل حقيقة؟ إنك هنا أمامي تبتسم لي، تأتي إلى طاولتي تمد يدك مسلماً. هل مددت يدي أم مفاتيح قلبي؟ لا أدري. سحبتَ الكرسي المقابل وجلستَ. صمتنا معاً، تُدخن سيجارتك بهدوء وأنا أحاول ترتيب الكلمات لأقول لك هل كان يجب أن تتأخر؟ هل تعرف كم انتظرتك؟ هل أنت حقاً ذاته رجل المستحيل والحب والليل، الفارس الخفيّ الذي رسمته مخيلتي وهِمْتُ به ومعه في حدائق الحب السرية؟ تتداخل الكلمات، ولا أعرف أي الأسئلة يجب أن أطرح أولاً؟