أساطير الأولين

شهرزاد


لم تكن كل حكايات الجدات دافئة تدفع قلوبنا الصغيرة إلى النوم باطمئنان، فليست كل الحكايات كانت آمنة كحكاية سندريلا التي يجمعها الحذاء الذهبي بأميرها، ولا هي كحكاية بياض الثلج التي يخلصها الأقزام من سم التفاحة، ولا كحكاية ذات الرداء الأحمر وذئب الغابة المفترس..
فبعض الحكايات كانت مرعبة كمنطقة معتمة، موحشة كأرض مهجورة، مخيفة كليلة شتائية قوية الرعد شديدة الريح، تُسرد علينا بإصرار دون أن يتوقف أحدهم ليلمح ذلك الخوف الذي استوطن أعيننا، أو ليرى اتساع مساحات الخوف التي امتدت في دواخلنا..

إنها تلك الحكايات التي كانت أقرب للخيال منها للواقع، لكننا كنا في مرحلة عمرية لا نفرق بين الواقع والخيال، ونؤمن بكل ما يخبرنا به كبار السن، ونتعامل معه على أنه حقيقة غير قابلة للشك والتأويل.

كتلك الحكاية الغريبة التي كانت تُسرد علينا عند خسوف القمر، وبكاء النساء المسنات على القمر، الذي وقع أسيراً لدى تلك العجوز الشريرة التي سجنته لتمنعه من إضاءة كوكب الأرض كما يفعل كل ليلة...
فكنا نرى نساء الحي عند كل خسوف للقمر في حالة قلق شديد، ترتفع أياديهن بالدعاء أن تفك تلك العجوز سراح القمر،
وحين نراه في الليلة التالية كنا نتوهم ببراءة طفولتنا أن القمر قد تخلص من سجنه بفضل دعاء الجارات الطيبات..
وخرافة ( بابا درياه) الشخصية المعروفة في أغلب دول الخليج، وهو رجل من الجن، كان يقال إنه يتسلل إلى السفن في المساء؛ ليختطف أحد البحارة ويلتهمه، ثم يثقب السفينة لتغرق..

وحكاية (أم الدويس) الجنية التي كانت تتحول إلى امرأة جميلة، وتتزين بالكثير من الذهب، وتفوح منها روائح عطرية قوية، وتسير في الطرقات القديمة، تجذب متبعيها إلى حيث تكون نهايتهم المؤلمة..
هذه الحكايات وغيرها الكثير، كانت تُسرد علينا دون أن ينتبه أحدهم إلى أنها قد تؤذي نفسياتنا، وتصيبنا بعقدة الخوف من الظلام، والخوف من التجول دون رفيق طريق..
لكننا ورغم غرابتها كنا لا نكذب أحداثها، تلك الأحداث التي ربما لو سردت على الأجيال الحالية لأضحكتهم غرابتها مقدار ما أرعبت طفولتنا في ذلك الوقت..
فالأجيال القديمة كانت أكثر قابلية لتصديق تلك الحكايات التي تقترب من الخرافة؛ لأنها كانت تُسرد بأصوات الأجداد، مما يمنحها مصداقية كبرى لدى أطفال يصدقون ويؤمنون بكل ما يسرده الكبار، مهما كان خرافياً أو خيالياً، لكنهم حين يكبرون يكتشفون حجم الخيال والوهم في تلك الحكايات، وأنها لم تكن سوى (أساطير الأولين).


قبل النهاية بقليل:
بعض أساطير الأولين شهية كقطعة من خيال، ننغمس فيها كي تبدو الحكايات أجمل..