إليك

شهرزاد

إليك حَيْثُ أنْتَ.. وحَيْثُ لا أعلم موقعك من خارِطة الأرض التي أخبروني أنها تدور باسْتِمْرارٍ..
إلى كلِّ التفاصيل التي عَلِقت منك بثوبِ عمري ولم تتحوّل إلى كَوْمةٍ من الغبارِ على الرَغْمِ من كلِّ صحارى الحنين التي مررتُ بها..
إلى ذلك الوعد الذي تأخر كثيراً، وتوقف عن النُموِّ حتى كادَ يتحوّل إلى خديعةٍ شبيهة بخديعةِ ذئاب الغابات الموحِشة..
إلى ذلك القميص المخبأ في صندوقِ البشير الذي ضَلَّ طريقه إلى بابي وسلبني فرحة اكتشاف النور..
إلى تلك العين التي أوهنتها حراسة أبوب العودة، فأصبحت كل الأشياء أمامها بيضاء كالدُخانِ..
إلى تلك الروئ التي تكرّرت على مَدارِ سنواتٍ حتى تحوّلت إلى أضْغاث أحْلامٍ، وأصبحت حديث نفسي المُفَضَّل إلى نفسي..
إلى تلك البشائر البيضاء التي تنتظر إشارة من الفرحِ حتى تتحوّل إلى سُحُبٍ مُمْطِرة لتسْقي جفاف مساحاتي..
إلى تلك المحطات التي أصبحت خاوية كناي تعزف عليه الرياح للمقاعدِ المهجورة على الطرقاتِ القديمة..
إلى تلك القصائد التي كنا نتقاسم قراءتها ونمزق منها الأبيات التي تلامس قلوبنا كي نلصقها في دفترٍ خاص..
إلى تلك التَفاهة التي كانت تَجرنا إلى الضَحِكِ على نكاتٍ سخيفة وعلى أمورٍ لا تبعث على الضَحِكِ.
إلى تلك العَفْويّة التي كانت تدْفعنا إلى التَجَرُّدِ من كُلِّ الألْقابِ ومن كُلِّ رسميّات النضج والتَحَوُّل إلى مجموعةٍ من الأطفالِ في حالةِ شغب وفرح. و..
إلى تلك الليالي التي كانت تقودنا إلى الحنينِ بإصْرارٍ وتدفعنا نحو البكاء بشدةٍ..
إلى تلك التفاصيل التي عَلِقت بنا على غفلةٍ منا، واختبأت فينا دون أن ننتبه إليها..
إلى تلك المتاهة التي وجدنا أنفسنا في داخلها فور مغادرتنا لحكاية كانت منزلنا الدافئ..
إلى تلك الدروس التي لقنتنا إياها الحياة بقسوةٍ تامّة.. فغادرنا مقاعدها ونحن في قمةِ التَشَتُّت الذِهْنيّ والوَهْن الروحيّ..
إلى تلك الأُغْنيّات الدافئة التي أخفينا في كلماتها أسرارنا وحكاياتنا والتي كلما باغتتنا في ازدحام ما أعادت إلينا الأماكن والأزمنة بكاملِ دفئها..
إلى تلك الهدايا التي كنا نتفنَّن في انْتِقائها وتغليفها وزخْرفتها دون أن ندرك أنها ستتحوَّل بعد مراحل الفراق إلى لوحاتٍ من الألم..
إلى تلك الرسائل التي تخلّصنا منها، ثم اكتشفنا أننا نسينا صندوق الرسائل في داخلنا..
إلى تلك السنوات البيضاء التي انْغمسنا في طقوسها بفرحٍ حين توهمنا أنه بإمكاننا تخزين التفاصيل لأزمان قادمة ربما تصبح المستحيلات فيها مُمْكنة..
قبل النهاية بقليل:
أكثر مراحِل النسيان التي يرعبني المرور بها.. هي تلك المرحلة التي أتَذَكّرُ فيها وجهكَ ولا أتَذَكّرُ اسْمكَ..
***