الخوف

شهرزاد

 

نحن لا نولد مصابين بالخوفِ؟ هو يلتصق بنا من تلك المواقف التي يغيب عنها الأمان، ويستقر في مكانٍ ما في دواخلنا، ثم يخرج إلينا على هَيْئةِ تصرفات غريبة..

وأنا اكْتشفت الْتِصاق الخوف بي في المراحلِ الأولى من رحيلك، وأدْركتُ أنك حين رحلت لم تأخذ معك الأيام، ولا الفرح، ولا الصحة، ولا المناسبات الجميلة، ولا التفاصيل اليوميّة، ولا المتبقي من الأيام في سلةِ عمري..

فكل الأشياء حين تفقدتها بعد الفراقِ وجدتها محيطة بي، إلا الأمان يا سيدي، حين تفقدته افْتقدته كهدهد سليمان ولم أجده..

وكان غياب الأمان هو التفسير الأوضح لكلِّ حالاتِ الخوف التي مررتُ بها بعد رحيلك وأخفيتها بي، فأنا تردّدت في الكتابة عن ذلك الخوف الذي سكن روحي في ليلة خروجك من بوابةِ أحلامي، حيث كنت تلوح مودعاً، وكان الأمان يتبعك كظلك ويلتصق بك مخلفاً في عالمي من الخوف الكثير..

إنه ذلك الخوف الذي ظننته وليد الموقف وسيتلاشى مع مرورِ الوقت، لكنه لم ينته، ولم يغادر كما ظننت، بل بقي في داخلي، يكبر معي كلما كبرت، ويتشكَّل على هيئةِ عائق في ذلك الطريقٍ الذي حاولت جاهدة إكْماله بمفردي، لكني لم أكمله وحيدة، أكملته بصحبةِ مجموعة من المشاعرِ المؤذية نفسياً، حيث كان الخوف أقواها وأقربها إليَّ...

فبعدك أصبت بالخوفِ الداخليّ، وأصبحت أخاف من أشياءٍ كثيرة لا يخاف منها أغلب الناس، أخاف الغرباءِ وأتردّد في مصافحتهم، وأخاف الأصواتِ المرتفعة وأرْتعب من صوت ارْتِطام الأشياء ببعضها، فأضع يديّ على أُذُنيِّ عند ارْتِطامِ السُحُب وولادة الرِعْد، وأتحوَّل إلى كتلةٍ من الخوفِ حين تنْتهي أعمدة الشارع المُضاءة ويتحوَّل الطريق إلى بقعةٍ مُظْلِمة!

 كما أتحوَّل قبل النومِ إلى حالةٍ من القلقٍ، فأتفقَّد كل الزَوايا حَوْلي، وأبحث في خزائنِ الملابس، خلف الستائِر، تحت الطاولات، في زَوايا لا تتسع لاخْتباءِ أحدهم، وحين أطمئن لخلو الأمكنة من الغرباء أنسلخ من قلقي، وأغفو بأمانٍ مؤقت.. ففي اليوم التالي تبدأ رحلتي مع الخوف من جديدٍ، فهو الصديق الذي رفض أن يتخلى عني ويفْلت للأمانِ يدي...

قبل النهاية بقليل: 

التافهون فقط... يغادروننا بخفي حنين، من دون أن يترك مرورهم في دواخلنا بصمة نفسيّة واضحة..