المجد للورق

شهرزاد


ما أروع أولئك الذين لازالوا يحرصون على قراءة الصحف الورقية، ويقلقهم تأخر الصحيفة عن موعدها الصباحي، ويقتطعون القصائد والصور من المجلات، ويحرصون على قرب الورق منهم، ويجرفهم الحنين للكتابة على الورق..
فهم الدليل الأصدق على أن الورق مازال في عصره الذهبي، وأن المكتبات مازالت هي الوجهة المفضلة لملايين البشر حول العالم، وأن معارض الكتب هي المواسم الأحب لأرواح تنتظرها كل عام بشغف..


نعم.. مازال الورق في عصره الذهبي، وما زلنا نصطحب كتبنا إلى أماكننا المفضلة، لقراءتها قبل النوم، وللبحث عن أنفسنا في طقوس رواية شعرنا بالانتماء إليها، فالكتب الورقية هي الأقرب لأولئك الذين اعتادت قلوبهم على دفء الورق ورائحة الورق وصداقة الورق.
أولئك الذين يطيلون الوقوف أمام الكتب لاختيار أصدقائهم بدقة متناهية، فالكتاب الذي يلامس أرواحنا يتحول مع الوقت إلى صديق مقرب إلينا، نلجأ عند الاختناق إليه، ونبحث عنه فوق أرفف دافئة كأنها روح حقيقية، فالأرفف التي تخلو من الكتب الورقية هي أرفف باردة، أرفف صامتة لايتسلل ضجيج الورق إليها..


ووحدهم الذين كبروا مع كتبهم الورقية ووجدوا صعوبة في التخلص منها أدركوا عمق ذلك الرابط الخفي الذي يربط بين القارئ وكتابه الورقي،
فالصداقات التي نعقدها مع كتبنا الورقية من الصعب أن نعقدها مع تلك الكتب الإلكترونية التي نفتقد معها دفء الورق، وإحساسنا بالانتماء إليه،
فبعض الكتب قد ترهقك نفسياً لقربها من نفسك، ولشعورك بأنها تسرد عليك حكاية عمرك، وكأنها تفتح لك صندوقك القديم، تبعثره أمامك، تذكرك بحكاياتك وعلاقاتك وتفاصيل مراحلك،


كأنها تهزك بقوة وتعيدك إلى بداياتك، تعيدك إلى أول العمر وأول المراحل، وأول الأحلام، وأول الأفراح وأول الانتكاسات، وأول الاكتشافات،
بعض الكتب كأنها تقول لك هذا أنت وهذه حكايتك،
كأنها تمسك يدك، تقودك إلى تلك الأماكن التي تحن إليها ولا تملك الجرأة على المرور بها،


الأماكن التي ظننت أنك قد نسيتها، بينما هي تعيش بك، في داخلك، في تلك المنطقة التي أخفيت فيها الكثير من الذكريات الخاصة، وأغلقت عليها آمناً مطمئناً..
فبعض الكتب، كأنها دفاترك القديمة، تسرد عليك قديمك
كأنها تتصفح أمامك ألبوم صورك القديمة، فترى نفسك حين كنت مختلف الملامح والصفات والأحلام،
فهي تعرفك على نفسك القديمة تلك التي تغيرت كثيراً..

قبل النهاية بقليل:
بعض الروايات تشبهك شخصياتها حد التطابق
كأن الكاتب قد منحك دور البطولة في روايته، وغير اسمك وعنوانك فقط..