وباء

شهرزاد


وكأن الحياة كانت مجرد حكاية زائفة، وكأن تلك التفاصيل الدافئة التي مارسناها ونحن في كامل إقبالنا على الحياة كانت مجرد رؤى جميلة انتهت، حين هز أحدهم أجسادنا بقوة، وأيقظنا منها بشكل مفاجئ، لنكتشف أن أغلب الأشياء حولنا لم تعد كما كانت، وكأننا حين غفونا تلك الغفوة القصيرة تغيرنا كثيراً، وتغيرت في دواخلنا أشياء كنا نظنها من ثوابت أعمارنا، ولم نكن لنتخيل يوماً أننا قد نضطر للتنازل عنها أو لاستبدالها بأشياء أخرى، لكننا وجدنا أنفسنا نستسلم لإحساس الغربة الذي استيقظنا به في عالم مختلف، عالم لا نعلم مَن الذي عبث بنظامه؟ حتى بدا لنا بهذا الشكل الغريب، وبهذه الفوضى المزعجة، والتي دفعتنا لاستفسارات صامتة لا يملك عالمنا الجديد إجابات مقنعة عليها.
فمن سيشرح لنا الأسباب الحقيقية لذلك القلق الذي نال من أرواحنا؟
من سيخبرنا لماذا تغيرت الأشياء إلى هذا الحد الغريب، وعلى هذا النحو المرعب لقلوبنا؟
من سيخبرنا لماذا تلوث عالمنا الجميل إلى هذه الدرجة التي توقفنا معها عن السير على تلك الطرقات الدافئة، وعن الجلوس في تلك المقاهي التي أدمنَّا ارتيادها، وعن ممارسة هواياتنا التي رافقتنا سنوات طويلة، وعن تغيير الكثير من عاداتنا التي كانت بمثابة روتين يومي لنا؟
من سيخبرنا لماذا تغير العالم إلى هذا الحد الذي توقفنا معه عن قراءة صحفنا الورقية، وعن احتساء قهوتنا برفقة صديق مقرب، وعن زيارة جار عزيز للاطمئنان عليه؟
من سيخبرنا لماذا أصبحنا سجناء أماكننا الخاصة؟ وكأن الحياة قد أعلنت حالة من الجمود المرعب، فبقينا في الدائرة ذاتها وتوقفنا عند النقطة ذاتها، عاجزين عن إكمال رواية الأيام وسيرة الحياة.
من سيقنعنا أن الأشياء الثابتة لم تهتز، وأولويات العالم لم تتغير، وأننا لم نغادر شخصياتنا القديمة، لنندس في شخصيات أخرى، اتخذنا منها ملاجئ آمنة، ولجأنا إليها هرباً من شخصيات وأفكار وعادات وأمكنة ما عادت تشبهنا، ولا تمت لحياتنا الجديدة بصلة؟


قبل النهاية بقليل:
نؤمن وبرغم تلك الهزة النفسية التي أرعبت قلوبنا، أن كل هذا الاحتراق سيتلاشى، وكل هذا القلق سيمضي، وأننا سنتذكر يوماً.. ونضحك!
**