شيء آخر.. أتعاطف مع المظلوم وأعيش في قلب معاناته.. وأبذل جهدي لأدعمه من أجل التخفيف عنه، وأساعده حتى تظهر براءته ويأخذ حقه شيء، وأن أكون أنا المظلومة شعور آخر.
أواسي من فقد عزيزًا، وأتأثر بما حلّ به، وأبكي بألم وحرقة وأحدّثه بكل ما أعرفه من قاموس المواساة ومن الحِكَم والمواعظ، وأن أكون أنا من فقدت عزيزًا، إحساس وشعور آخر.
أشارك إنسانًا وقع في مشكلة كبيرة، وأحاول أن أجعل نظرته أكثر تفاؤلاً، وأمنحه القوة للاستمرار شيء، وأن أكون أنا صاحبة المشكلة شيء آخر.
أن أكون مع الآخر في أزمته المالية وأهوّن عليه، وأن أكون أنا داخل الأزمة شيء آخر.
أن أتعجّب وأندهش عندما يشكو لي إنسان بأنه منهار، وبأنه هجر عالمه وفقد الثقة في الحب والصدق، لأنه طعن بسهم الخيانة وغدر به وأطلب منه النسيان، وأنصحه بأن الحياة مجرد أيام، فلماذا الحزن والألم والأسى؟ وأن أكون أنا منْ هجرني وخانني منْ أُحب، لحظتها سيكون إحساسي وألمي شيئًا آخر.
أن أُواسي شخصًا جُرح وطُعن وخسر أقرب أصدقائه، وأطلب منه أن يتركه، وألا يضايق نفسه، وأن يهتم بمنْ يهتم به، فالمسألة سهلة، والتنفيذ أسهل، لكن لو كنت أنا في نفس موقفه، بالتأكيد سيختلف شعوري.
أن أقف مع موظف أهانه مديره، وأصبحت حياته لا تُطاق بعد أن تحطّم طموحه، وأساعده وأرفع من معنوياته بكلمات تجعله يتناسى ليتعايش ويتكيف مع ظروفه رغم قسوة الموقف شيء، وأن أكون أنا في موقفه شعور آخر.
عندما أحاول أن أحتوي آلام المقهور، الذي طعن في شرفه وتلوثت سمعته من إنسان لا يخاف الله، وأثنيه عن فكره الانتقام، وبكل هدوء وبمنطق صريح، أعلّمه فن التسامح وألا يجعل قلبه مستودعًا للكره والحقد، لكن لو كنت أنا مكانه فسيكون رأيي وشعوري واندفاعي ورغبتي بالتأكيد شيئًا آخر.
عندما أجد هناك منْ يخبرني بأن إحساسه مرهق من ركض السنين، ويشعر بأن الدنيا أصبحت سجنًا لأنفاسه، والساعات لا تعني له إلا مزيدًا من الألم، فكل شيء حوله أصبح موجعًا، فأتعاطف معه وأحاول أن أرسم على وجهه ابتسامة تخرج من زحمة اليأس وأخبره بأن الحياة يمكن أن تكون جميلة حتى في عز الألم شيء، لكن لو داهمني هذا الإحساس سأعيش بشعور آخر.
أن أخفف حمل المعاناة عن شخص واجه انتقادًا سلبيًّا ولاذعًا، وأنصحه بعدم الالتفات لأعداء النجاح، وأن يتذكر الايجابيات والنجاحات في حياته شيء، وأن يوجه النقد واللوم لي فهو إحساس مختلف.
وعندما تخبرني أم عن خوفها على أبنائها، وأن منهم من تعرض للأذى أو للمرض، وتكون في قمة معاناتها، فأقف بجانبها وأتكاتف معها وأساندها وأدعمها شيء، وأن أعيش نفس إحساسها، بالتأكيد سيكون شعورًا وإحساسًا آخر.
همس الأزاهير
إن من يعاني الآلام، ويكتمها في صدره، لا يدري بها أحد، ليس كمن يعاني الآلام، ثم يعبّر عنها في شكل من الأشكال، فالأول اختار موقفًا سلبيًّا، لا ينفع ولا يضر، أما الثاني فإنه ـ من خلال تنفيسه عن نفسه بعض كربها ـ يُقدّم نفعًا للآخرين عندما يحول مشاعر الألم في داخله إلى فعل ينفع الناس.
د.عزيزة المانع
أنين الإحساس
قد يرى الناس الجرح الذي في رأسك، لكنهم لا يشعرون بالألم الذي تعانيه.