مشاكل الحياة كثيرة، ولو أن كل زوجة طلبت الطلاق من زوجها بسبب أي مشكلة تواجهها، لهُدمت أغلب البيوت، ومن الطبيعي أن تصاب بعض العلاقات الزوجية في مقتل ويقع الطلاق، فهذا أمر شائع، بل وظاهرة خطيرة، لكن الأخطر أن ينفصل الزوجان وهما لا يحافظان على الحد الأدنى من الاحترام المتبادل، ففي اللحظة التي يفكر فيها الطرفان بالانفصال، تبدأ الحرب بينهما، ويبقى الخاسر الأهم والوحيد هو الأطفال، إنها نهاية حب، وبداية معركة.
وهناك من يرى أن الأم هي الضحية، والأطفال هم ضحايا هذه الضحية!
وأنا أرى أن الضحية الوحيدة الخاسرة في قضايا الطلاق، وفي الحرب الدائرة بين الأم والأب، هم الأطفال، فالطفل لا يعلم متى تنتهي هذه الحرب، ومتى ينعم بالأمن، ويشعر بالحب والاستقرار، فهو دُمّر مرتين، مرة عندما كانت تشتعل الحروب داخل المنزل ووقع بعدها الطلاق، ومرة ثانية عندما يظل يدفع الثمن طوال حياته الجديدة، والمتمثلة في حياة ما بعد الطلاق، فمن الطبيعي أن يشعر الطفل بعد انفصال أبويه بالوحدة، وهناك من تتصف تصرفاته بالعنف، وهناك من يفضّل الابتعاد، أو الانسحاب، أو يرغب في الاستقلال بعيدًا عن عائلته، وبعضهم قد ينجرف في طريق غير سوي، فعندما يحدث الطلاق، يتولّد لدى الطفل الشعور بعدم الأمان، وتتزعزع ثقته في نفسه، وما نراه من صور سيئة، هو إفراز طبيعي لما استجدّ على بعض الأُسَر من سلبيات، وفي النهاية كلٌ يحصد ما زرعه.
لذا فإن مرحلة ما بعد الطلاق، يكون أثرها أعمق وأشد، لأن الأبناء يحتاجون بعد حدوث الانفصال، إلى الشعور بحب الوالدين أكثر، كما ينبغي عدم تعريضهم إلى مواقف صعبة، أو إجبارهم على اتخاذ قرارات أكبر من سنهم، ولا أن نلقي اللوم عليهم، ونوبّخهم بأنهم السبب فيما وصلت إليه العلاقة، أو أن كل ما يقوم به الآباء يعتبر تضحية من أجلهم، ولا يصح أن نضعهم في موقف صعب، ونُخيّرهم بين الحياة مع الأب أو الأم، بل لا بد من مناقشتهم، وإقناعهم بأن الطلاق لا دخل له بهم، وأنه لن يؤثر على حياتهم، على أن تتم الإجابة عن أسئلتهم، واستفساراتهم بمنتهى الصراحة، والوضوح، وبدون إظهار أي نوع من أنواع العداء، وتوجيه الاتهامات، ولا بد من تركهم ليعبّروا عن مشاعرهم، وأحاسيسهم، من غضب، وحزن، وخوف حتى يتقبلوا الوضع الجديد، ويتعايشوا معه.
فعلى الآباء أن يدركوا أن مسؤوليتهم مضاعفة، ولا بد من تكثيف اهتمامهم ورعايتهم، على أن تكون مدروسة بعناية، وباتفاق متبادل، وعليهم أن يظهروا التزامهم وحبهم لهم، وأن يمنحوهم الإحساس بالأمان من خلال القيام بالزيارات الدورية لهم دون انقطاع، وقضاء بعض من الوقت معهم لأن ذلك حق، وواجب للأبناء، وليس للآباء.
أنين الأطفال
يختلف الزوجان ويصلان إلى طريق مسدود، دون التفكير في مصير أبنائهم، والأدهى أن يحاول كل منهما أن يحرق قلب الآخر بالطرق المشروعة، وغير المشروعة، ليتحول الأطفال بذلك إلى السلاح الذي يحاربان به بعضهما بعضًا، أرجوكم أفيقوا من غفلتكم أيها الآباء، واتقوا الله الذي حذّرنا من العقوق، فماذا عن عقوق الآباء، والأمهات للأبناء؟ فقبل أن تصلوا إلى هذه المرحلة، انظروا ماذا قدّمتم، وبماذا ضحّيتم، وكيف ربّيتم، وما زرعتم في نفوس أطفالكم.