غربة النفس.. وغرابة مفاجآتها

أحمد العرفج


عندما قال سقراط: (اعرف نفسك)، فهو لم يَقُل الجملة من باب الترف الفكري، أو الفسوق المعرفي، بل قالها، لأنه يُدرك صعوبة مهمة أن يعرف الإنسان نفسه، ولا أعني بالمعرفة، رقم البطاقة أو تاريخ الميلاد، أو الطول والوزن، بل المعني بالمعرفة هنا، هو المواهب والإمكانات، والتطلعات والقدرات..!


قبل فترة، كتبتُ ناصية أقول فيها: كنتُ قبل ثلاثين سنة، أُردِّد دائماً عبارة: (أنا أعرف نفسي)، لذلك وضعتُ ذاتي في «حدودٍ ضيِّقة».. ولكنِّي قبل سنوات، اكتشفتُ أنني لم أكن أعرف عن نفسي؛ إلا الشيء القليل..!


لقد اكتشفت مساحات واسعة، ومواهب كثيرة، وطموحات كبيرة.. كل هذه الإمكانات؛ كانت في السابق مسجونة داخل عبارة: (أنا أعرف نفسي)..!


حقًّا –وأنتم مثلي- كنتُ أسجن نفسي، وأُعيق طموحاتي، وأقتل مواهبي بعباراتٍ مثل: (أنا أعرف نفسي)، أو (هذا الأمر صعب عليَّ)، أو (لستُ ذكيًّا بما فيه الكفاية)، أو عبارة: (هذه المواهب فوق مستوايَ)..!


وحتى أضع النظريات مكان التطبيقات، أستشهد بخمسة تحوُّلات، أذكرها بشكلٍ سريع، ولعلِّي في المستقبل أكتب عنها بالتفصيل:


أوَّلاً: لقد كنتُ في طفولتي؛ متيقناً من كُرهي للكِتَابة، وفشلي فيها، ولكني اكتشفتُ أنني لا أعرف نفسي، لأنني مع الوقت، أصبحتُ كَاتِباً، وأُصدر كُتباً في فنون الكتابة..!


ثانياً: لقد كنتُ من أعداء الكِتَاب، وكانوا يُفرِّقون بيني وبين الكُتب في المضاجع، من شدة كُرهي لها، أمَّا الآن، فقد تزوَّجت القراءة، ولا يمكن أن يَمرّ يوم؛ إلا والكِتاب يُكحِّل عيني..!


ثالثاً: كُنتُ من المحاربين للمشي، والمُعادين له، وأتذكَّر أن أُمِّي –رحمها الله- كانت تذهب إلى السوق؛ ماشية في المدينة المنيرة، وكنتُ أُحاذيها وأنا أركب درَّاجتي، لأنَّ كُرهي للمشي، جعلني أُقصِّر في البرِّ المُتمثِّل؛ في مشيي بجوار والدتي..!
أمَّا الآن، فأنا مِن دُعَاة المشي، والممارسين له، بل ممَّن ألَّفوا كِتَاباً حول أهمية المشي، من الناحية الفكرية..!


رابعاً: كُنتُ في السابق، سلبياً وتعيساً، وأتلذَّذ بنشرِ كل الأخبار، التي تجلب وتستدعي وتُشجِّع على السلبية والتعاسة، ولكن قبل سنوات، أدركتُ أنني لا أعرف نفسي، التي تميل إلى الإيجابية والسعادة، لذلك بدَّلتُ ملابسي، وتخلَّصتُ من السلبية، ولبستُ ثياب الإيجابية، وخرجتُ للناس مُبشِّراً بالأمل والتفاؤل، وفي يدي كِتَاب ألَّفته بعنوان: (أصحاب السعادة)..!


خامساً: كنتُ أتمتَّع بالخجل، ويتلبَّسني الحياء، ولا أستطيع تركيب جملة أو جملتين؛ إذا تحدَّثتُ أمام الطلاب في الفصل، أو أمام الأصدقاء في المجالس، وكنتُ على قناعة؛ بأنَّني لا يمكن أن أتحدَّث أمام الناس بثقةٍ واطمئنان، ولكن مع الوقت، اكتشفتُ أنَّني على خطأ، حِينَ عرفتُ قُدرتي الجيِّدة؛ على الحديث المُرْتَجَل، لدرجة أن قناة خليجيَّة مَنحتني الساعة الثامنة من كل أربعاء، لأتحدَّث وأقول ما أشاء..!


في النهاية أقول: هذا ما اكتشفتُه عن نفسي، التي كنتُ أَظنُّ –خَطَأً- أنَّني أعرفها، فماذا عنكم..؟!!