أبناء الشجرة

شهرزاد


(مقطوع من شجرة)
عبارة موجعة جداً، بها كمية مخيفة من الغربة والوحدة، لأنها تُشعرك أن أحدهم يعيش فوق هذه الأرض بلا جذور، وبلا جدران تسند انكساره، وبلا أسقف أمان تغفو روحه تحتها بأمان...
فهي تُستخدم كتعبير عن شخص وحيد، بقي كالورقة الأخيرة في شجرة عائلة، ربما كانت يوماً كثيرة الأوراق وارفة الظلال...


(فالمقطوع من شجرة) هو إنسان لا ينتمي لأحد، ولا ينتمي إليه أحد، قد يعيش على الأرض غريباً، ويرحل منها غريباً دون أن ينتبه أحدهم لفراغ الأمكنة خلفه، ودون أن يتوقف أحدهم للبكاء عليه، ودون أن يرثيه صديق بقصيدة حزينة، أو يزيل الغبار عن جسد ذكرياته ليتذكر أنه مر الأرض يوماً، ورسم عليها الكثير من التفاصيل الدافئة، رغم برد تلك الغربة التي كانت تسكن أعماقه وروحه.


(فالمقطوع من شجرة) تكون أعماقه شبيهة ببساتين شاسعة من الغربة والوحدة، ولا يشعر بالانتماء مهما أجاد دور الانتماء...
فهو قد يعيش وحيداً، يتجول وحيداً، يسافر وحيداً، يفرح وحيداً، يحزن وحيداً، يحتفل وحيداً، يتألم وحيداً، يحلم وحيداً، يعيش الخوف وحيداً، يجاهد القلق وحيداً، فالوحدة هي بطلة حكايته على الأرض، كما قد تكون بطلة حكايات الكثير منا.


فنحن أيضاً قد ننتمي لقائمة (أبناء الشجرة)، دون أن يُطلق ذلك المسمى علينا، فبينما يحيط بنا الكثير من الأشخاص والكثير من الرفاق، والكثير من الكائنات، ننغمس نحن في حالة من الوحدة الداخلية، فنصبح (كأبناء الشجرة) العالقين بين فم الوحدة وأنياب الغربة، دون أن ندرك هذا، لكننا قد نكتشفه حين نستند بظهورنا على جدار ظنناه قوياً فتتضح لنا هشاشته، أو حين نفكر بالطيران بحثاً عن منافذ تنقذنا من الاختناق فنكتشف وهن أجنحتنا، أو حين نشعر بالبرد، فنكتشف تلك الثقوب في ذلك السقف الذي ظنناه مصدر الأمان في أعمارنا، أو حين نطيل الوقوف أمام أبواب أُغلقت بقوة، وقد ظنناها لن تُغلق في وجوهنا يوماً.


عندها نشعر أننا كأبناء الشجرة، وأن أعمارنا كتلة من وحدة وغربة.


قبل النهاية بقليل:
قد نشعر رغم ازدحام الأحبة والرفاق، أننا قُطعنا من شجرة، فالانتماء هو إحساس قبل أن يكون واقعاً