محاسن المرض!!

أحمد العرفج

 


تجتاح العالم هذه الأيام، عاصفة فايروس مرضي لئيم يُدْعَى «كورونا» –أعاذنا الله وإياكم من شرّه- تجعل البعض طريح الفراش، والبعض الآخر حبيس البيت.. ونظراً لأنني مِن صُنَّاع الإيجابية والفرح، الذين يُحوِّلون المِحْنَة إلى مِنْحَة، والمصاعب إلى مكاسب، فقد حاولتُ أن أستخرج الفوائد والإيجابيات والمحاسن، التي يُهديها لنا المرض بشكلٍ عام..!
في البدايةِ أقول: المرض بوصفهِ عارضاً يمسُّ البدن، وزائراً يتداخل مع الإنسان، لم يقرأه الفلاسفة قراءة تأمُّلية تستبطن المعنى، وتتجاوز ظاهر المبنى؛ لذا لزم إعادة النظر في مفهومه، ورد الاعتبار إلى دلالته وهمومه..!


إن المرض في أبسط دلالته «طهور للنفس»، و«تطهير للجسد»، و«تكفير للذنوب»، والغريب أن كل الأديان تتفق على هذا المعنى، بل إن الحضارات والثقافات اللاسماوية مثل: البوذية، والهندوسية... وغيرهما، تتفق مع الأديان في هذا الاتجاه، بحيث تعتبر (المرض نعمة)..!


وإذا بحثنا في الآثار الدينية، نجد أن الصحابة -رضوان الله عليهم- كانوا يفرحون بالمرض، بوصفهِ تكفيراً وتطهيراً وطهوراً. ويكفي أنه «ابتلاءٌ من عند الله».. والسلامة «الدائمة» مذمومة؛ لأنها تجلب الخمول، وتُبلِّد الجسد، وتُميت القلب؛ ولذلك جاء في الأثر النبوي: «كفى بالسلامةِ داء»، والسلامة الدائمة المستمرة تبلُّدٌ طويل، وخمولٌ عريض. وقد أدرك هذا المعنى «النابغي الجعيدي» فقال:


ودعوت ربي بالسلامة جاهلاً
ليصحني، فإذا السلامة داء!!
ومن قبله أدركها الشاعر «النمر بن زهير بن أبي سلمى»، حيث قال:
يود الفتى طول السلامة والغنى
فكيف ترى طول السلامة تفعل!
ومن قبل الاثنين قال «حميد بن ثور» في نفس المعنى:
أرى بصري قد رابني بعد صحة
وحسبك داء أن تصح وتسلما!!


وفي كتاب (الفتح الرباني والفيض الرحماني)، للشيخ «عبدالقادر الجيلاني»، تركيزٌ كبير على أهمية المرض، وأنه هدية من عند الله، مُؤكِّداً (أنه لا يُعذِّب حبيبه، ولكن قد يبتليه)..!
وإذا أردنا النظر ناحية الغرب، وجدنا مئات الكتب التي تتحدَّث عن المرض، وكلها تتحدَّث على أن المرض؛ له من الأهميةِ ما للصحة، وإن كَثُر المعاندون..!
وقبل مدة كنتُ أقرأ في كتابٍ لطيف عن تطوير الحواس والشعور، تحت عنوان: (Developing intuition) للمُؤلِّفة «شكني جوان»، وقد ركَّزَت في كثيرٍ من صفات هذا الكتاب؛ على أن المرض رسالة من «إدارة الروح»، وأن هذ الجسد كُلِّف بما لا يستطيع..!


في النهاية أقول: بعد كل ذلك، ألا يحق لنا أن نُعيد النظر في المرض ودلالاته، بل لِمَ لا نتمناه، طالما أنه يحمل كل هذه الخصائص؟.. ومن هنا، دعونا نبدأ حملة تحت عنوان: «التصالح مع المرض»، فإذا لم نُدرك العلاج، فلنحتسب، لنُدرك الأجر والحكمة والثواب..!!