mena-gmtdmp

الوطنية سلوك وتطبيق

أحمد العرفج
أحمد العرفج
أحمد العرفج

الوَطَنُ، هو تِلك المِسَاحَةُ الجُغرَافيَّةُ مِن الأَرض؛ التي أصبَح بَينك وبَينها رَوابِطُ مُشتركةٌ، تُغذِّي شعُورك كُلَّما شَعرتَ باليَأس، وتُشبِعك حِين تَحسُّ بالجُوع، وتَأنَسُ بِهَا حِين تُداهمكَ الغُرْبَةُ، مِن هُنَا قَالوا إنَّ أقسَى أنوَاع الغُرْبَةِ؛ حِين يَشعرُ الإنسَانُ بأنَّه غَريبٌ في وَطنه.

أمَّا الوَطنيَّةُ، فهي مَفهومٌ، يَستهدفُ السُّلوك والتَّطبيق، كما أنها شعُورٌ خَفي، يَنعكسُ عَلى سلُوكك، فالوَطنُ حَبيبٌ، ومِن هُنَا جَاءت الأُغنية الشَّهيرة: «وَطني الحَبيب وهَل أُحب سوَاه».

إنَّ الوَطنَ مِلكٌ للجَميع، ولَا أَحَد يُزايد بِهِ عَلَى الآخَر، ولَا يَجبُ أن يُزايَد بِه أَحَدٌ عَلى غَيره، فالنَّاسُ مُتسَاويةٌ في الوَطنيَّةِ؛ وإنَّني أُردِّدُ دَائماً مَع الأَديبِ الكَبيرِ، أو «الدَّكَاترة» زكي مبارك حِين قَال: «لَا أُحب أنْ يَسبقني أَحَدٌ في حُبِّ الوَطن»، مِن هُنَا دَعونا نَتسَابقُ في حُبِّ الوَطَن.

إنّ الوطنيَّةَ الصَّادقةَ، هي سلوكٌ يُمارس، وأفعالٌ تنفَّذ، ومسلكٌ يُتقدَّى به، ومشاعرُ تشعُّ ولا تظهر، وأحاسيسُ تفوحُ ولا يباحُ بها. إنَّها اعتقادٌ بالقلبِ والوجدان، وعملٌ بالواجباتِ والأركان، وليست قولاً باللّسان. والوطنيَّةُ شأنها في هذا الصَّددِ شأنُ القوميَّةِ العربيَّةِ الحديثةِ، وغيرها من العناوين.

ولعلَّ من أقوى دلائلِ حبِّ النَّبي، صلَّى الله عليه وبارك، لوطنه مكَّة المكرَّمة، سؤالُ ربِّه وهو في المدينةِ أن يجعلَ قبلته مكَّة المكرَّمة بدلاً من بيتِ المقدس، وأخذ يُقلِّب وجهه في السَّماءِ، ينتظرُ الإذنَ بالتَّوجُّه، لذا نزلت: «قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا».

حسناً ماذا بقي؟

بقي قولُ شاعرِ الأمراءِ أحمد شوقي:

وللأوْطَانِ فِي دَمِ كُلِّ حُرٍّ

يَدٌ سَلَفَتْ ودينٌ مُسْتَحقُ

ولله ما قاله الباحثُ خير الدِّين الزِّركلي:

العينُ بَعْدَ فِراقِها الوَطَنا

لا سَاكِناً ألِفَتْ ولا سَكَنَا

لَو مَثّلُوا لِي مَوْطِني وَثناً

لَهَمَمْتُ «أعشقُ» ذلكَ الوَثَنا

وقد قال صاحبُ كتابِ «كشف الخفاء»:

«إذا أردت أن تعرفَ الرَّجلَ، فانظر كيف تحنُّنه إلى أوطانه، وتشوُّقه إلى إخوانه، وبكاؤه على ما مضى من زمانه».

وقد رُوي عن عمر بن الخطَّاب قوله: «لولا حبُّ الوطنِ لخرب بلدُ السُّوء».

وأخيراً: بَقي أنْ نُذكِّر بأنَّ بَواباتِ حُبِّ الوَطن مَفتوحةٌ للجَميع، فليَتسَابق إليهَا الدَّاخِلُون.