تنفس

شهرزاد

 

أحتاج بعد هذه العتمة التي خيمت على الأرض لدعم معنوي مكثف، لمعجزة تهدم هذه الحجارة التي أغلقت نوافذ الفرح بيني وبين العالم الخارجي، لباقة ورد تُعَلق على بابي، فأستقبلها بفرح دون أن يمنعني القلق من شم عطرها، لدراجة هوائية أتحول أمامها إلى طفلة، وأتجول عليها في طرقات المدينة دون أن يفسد فضول نظراتهم متعة اللهو بها، لصندوق خشبي، تتزاحم في داخله الكتب، والروايات الأدبية ودواوين الشعر، فأهلل عند رؤيته كأنه كنزي المفقود، ولأرض شاسعة المساحة، أجري عليها بكامل سرعة أقدامي، دون أن أتوقف فجأة خشية انتهاء حدودها في وجهي، لرنين هاتف قرصه دائري، وصوته يشبه صوت السنوات القديمة، يشعرني أن للأمس باباً يُفتح لنا حين نرغب بالدخول إلى أمسنا، وأن السنوات الجميلة لم تُسرق.


أحتاج لرسالة كتبها أحدهم على الآلة الكاتبة، وزينها بالكثير من الرسوم العفوية؛ ليخبرني أني الروح الأقرب إليه.
لرفاق يحتفظون بالنسخة القديمة مني، ويتذكرون أدق تفاصيلي، فيعيدون سردها أمامي كأنهم يعرضون فيلم حياتي، فأدخل معهم في نوبة ضحك، وحنين!
لصديقة يحتفظ صوتها بأغنياتي القديمات، فتغني لي لأسافر على جناح صوتها إلى أبعد مدن أحلامي.


لصوت المطر المتساقط على أجهزة التكييف القديمة ليخبرني أن الأرض تغتسل، وأن الأشجار تعيش حالة حنين للنجوم والقمر.
لصوت جرس شبيه بجرس حصة الدرس الأخير، يرتفع ليخبرنا أن الأرض قد تعافت، وأن الطرقات تنادينا بأسمائنا شوقاً إلينا.
للنوم في ظل شجرة برتقال ضخمة، أغمض عيني وأنا أحاول أن أحصي عدد ثمارها، وأحلم بجنة دانية.


لمجموعة من الهَدَاهِد، يسكبون الأنباء السعيدة على نوافذي ويخبرونني أن على الضفة الأخرى من النهر، يقف الفرح بانتظاري.
للعودة إلى طاولتي، ومعي منه أحلام حقيقية تجاوزت مرحلة الوعود المكررة والكلمات المحفوظة.
لفنجان قهوة لا يفقد دفئه وأنا أقرأ الصحف المنشورة على وجوه العابرين أمامي، للوحة بحجم الأرض أرسم عليها أيامي وسنواتي، وأرسم عليها ألف باب، وألف نافذة؛ كي أصف حالات التخبط التي عشتها على الأرض.


لإشاعة عفوية، يتناقلها سكان الأرض بفرح، تبشرهم أن الفرج في الطريق إلى كوكبهم!
لمواقف خضراء تؤكد لي أن الخير لم يغادر الأرض، وأن الشر لم يستوطن النفوس.


قبل النهاية بقليل:
غرقت في هذه العتمة، كأنني السفينة التي عشقت قعر البحر، فغرقت كي تلتصق به!