قشعريرة زمن

شهرزاد

 


شعرت باهتزاز قوي في داخلها، إنها تلك القشعريرة التي تنتاب أرواحنا وأجسادنا بشكل مرعب، حين نتعرض لموقف يكون كالصرخة القوية في أذنينا، لننتبه أن الزمن قد مر أكثر مما نتوقع، وأن أحلامنا قد عُلبت أكثر مما يجب، وأننا قد تأخرنا في الاستيقاظ والخروج من حكايات وهمية افترست سنواتنا كوحش جائع!
فها هي تمسك تلك البطاقة التي وصلتها للتو، إنها دعوة لحضور زفاف بكرِ رفيقتِهَا القديمةِ، رفيقتها التي كبرت ولعبت ودرست وتخرجت معها، تلك الرفيقة الأكثر واقعية منها، والأقل تصديقاً لأكاذيب الحياة التي صدقتها هي، رفيقتها التي تستعد الآن لزواج ابنها البكر، بينما مازالت هي هنا بين أوراقها وكتبها، بين أحلامها التي لم تتغير ولم تتجدد مع رجل منحها دور البطولة في حكاية مظلمة لم تشهد شروق الشمس يوماً.
فشعرت عندها بأن أنثى مختلفة تغادر جسدها، لتقف أمامها، تشد على كتفيها، تهزها بقوة وهي تصرخ في وجهها:
استيقظي.. لا تسفكي سنواتك على أطراف حكاية حب غير واضحة النهايات، استيقظي فالأحلام حين تمتد أكثر من الزمن المحدد لها تتحول إلى قيود من أوهام مؤذية، فتحولنا إلى مجموعة من التماثيل، يمر علينا الزمن فنكبر دون أن نعيش مراحلنا بطقوسها الطبيعية..
استيقظي.. ارفضي حكاية بلا هدف، فالأيام لا تؤمن بعلاقات الحب طويلة الأمد حتى لو آمنت قلوبنا بها.
استيقظي.. فهذه الرياح التي تتوالى على عالمك تأخذ معها الكثير من أحلامك وتمضي دون أن تشعري، فتفقد زواياك الكثير من نورها وإضاءاتها دون أن تنتبهي لاتساع مساحات الظلمة حولك، وهذه القطارات التي تمر بك هي أيامك التي تتناقص مخلفة لك دخانها ورمادها.
استيقظي.. لا تدخلي في غيبوبة من الوهم باسم الحب، فالعمر لم يعد يحتمل المزيد من الأوهام ولا المزيد من الخيبات، ولا المزيد من الانكسارات.
استيقظي.. لا تعتمدي على الحب كثيراً، فلا شيء سينتظرك، ففي المراحل المتأخرة من العمر، حيث يقوم الوهن بدور البطولة في حياتنا، لن يتحول الحب إلى عصا تحمينا من السقوط، ولا الأحلام ستتحول إلى عكاز يساعدنا بالسير على ثلاث، ولن تسند الأحلام حين تبدأ مواسم السقوط ظهورنا!
استيقظي.. لا تصدقي الحب كثيراً، فالحكايات التي لا تتعرض لنور الواقع، تتعفن في قلوبنا، وتسمم أجسادنا وأعمارنا دون أن نشعر.
استيقظي فلا شيء هنا، كل الأشياء قد مضت، وحدك النائمة على تلك الوسادة الخالية، الوسادة التي كنا نظنها وسادة حب، فحشوناها بأحلامنا وبأمانينا، حتى أيقظنا رنين السنوات من دفء أوهامنا.

قبل النهاية بقليل:
قشعريرة الزمن، هي تلك الصفعة التي تتلقاها قلوبنا عند رؤية أحدهم في الزحام، فيخيل إلينا أن الزمن يصرخ في وجوهنا.. لنستيقظ!