السَنة الاسْتِثْنائيّة

شهرزاد


ما من سنة مرَّت من أعمارنا وتركت فينا الدَهْشة والانْتظار والتَرَقُّب إلى هذا الحَد كهذه السنة الغريبة، وكأنها سنة اسْتِثْنائيّة لا تشبه السنوات التي سبقتها إلى الأرضِ، فهي كانت سنة ذات مَلامِح مُخْتلفة منذ بداية موْلدها، سنة أثارت اسْتِغْرابنا وأشْعرتنا بالغُرْبةِ فيها، سنة نسفت الكثير من الثِوابِت وأسْقطت الكثير من الأقْنِعةِ وكشفت الكثير من الأسْرارِ، ورتَّبت فَوْضى السنوات السابقة، وقوَّمت اعْوِجاج الطُرق المُتَعرجة، وأعادت الكثير من القِطَع المَفْقودة إلى مكانها الصحيح، وأكْمَلت الكثير من اللَوْحات الناقصة، وفتحت الكثير من الدَفاتِر المُغْلقة، وأضاءت الكثير من الزوايا المعتمة، وجدَّدت الكثير من الحسابات المُغْلقة، ولقَّنت الكثير من الدروس المُهِمّة، وغيَّرت الكثير من المُفَضَّلات، وأوْقفت الكثير من التفاهات، وأنْهت الكثير من العلاقاتِ، ووفكَّكت الكثير من الروابط المزيفة، وكشفت الكثير من الخُدَع طويلة الأَمَدِ، وعاقبت الكثير من الأشرار، ودمَّرت الكثير من الأحلام، وقطعت الكثير من الأرْزاق، وأغْرقت الكثير من سُفُنِ الأمان، وأرْعبت الكثير من الآمنين، وكشفت مكر الماكرين، وغيَّرت أرقام البِطالة في الدولِ، وهزَّت أَرْكان الاقْتِصاد في العالم، وغيَّرت الأدوار على مسارح الحياة، ونظَّمت مَقاعِد الجُمْهور، وأعادت ترتيب الصُفوف الأولى، وفرْقعت الكثير من البالونات الفارِغة، وفجّرت الكثير من الفقاقيع المتضخمة..
ونسخت في دواخلنا الكثير من الدروس، ولقَّنتنا أن لا مكان فوق الأرض كالوطن، وأن لا أحد سيسندنا قبل السُقوطِ إلا الوطن، وأن كل بُقْعة خارج أوطاننا هي مُجَرَّد محطّة عابرة، قد تمنحنا كل الأشياء الجَميلة إلا الأمان.


قبل النهاية بقليل:
لن ننسى أبداً، وسنتذكر دائماً أنها كانت سَنة اسْتِثْنائية على الَرغْمِ من كُل الوَجَع الذي الْتَصَقَ بقلوبنا منها..