كيف نفهم الأخطاء؟

أحمد العرفج

الخَطَأ بوَصفه مُنتجاً بَشرياً أشغَل العُلمَاء، وأتعَب الأدبَاء وحَيّر الدّهماء؛ لأنَّه مُنتج يَتداخل فيهِ النَّجاح بالفَشل، والتَّقدُّم بالخَلَل، فمِن النَّاحية الدِّينيّة وَسع الله عَلى عِباده مَجال الخَلَل، وأتَاح لَهم فُرصة إعَادة تَرميم الذَّات، والتَّوبة والبدء مِن جَديد، ومِن خِلال الحَقيقة القَائِلة: «كُلُّ ابن آدم خَطَّاء وخَير الخَطَّائين التَّوّابون».

وفي عُرف العُقلاء يُعتبر الخَطَأ مُقدّمة للنَّجاح ومُرشداً لَه، وكَما قِيل: «مَن لا يُخطئ لا يَعمل، ومَن لا يَعمل لا يُخطئ»، وبذلك يَتَّضح أنَّ الخَطأ لا يَصدر إلَّا ممَّا يَعملون، ومَهما بَلغ المَرء مِن رَجَاحة العَقل، والذَّكاء والدَّهاء والحَذَر، وتَوخِّي الحَقيقة، مَهما بَلغ مِن ذَلك؛ فإنَّ مَردّه لارتكَاب الخَطَأ، لذلك يَقول الفيلسوف الحَكيم «أبوالعلاء المعري»:

وأعجَبُ مِنّي كَيف أُخطِئ دَائماً
عَلى أنَّني مِنْ أعْرَفِ النَّاسِ بالنَّاسِ!

إذن نُقرِّر أنَّ الخَطَأ هو مِن شِيَم مَن يَعملون، وكُلّ دور العُقلاء في مَفهوم الخَطَأ هو تَقليص الأخطَاء، وتَكثير الصَّواب، هَذه هي المَرحلة الأُولى، أمَّا المَرحلة الثَّانية فهي نَقل الأخطَاء مِن خَانة المُؤشِّرات السَّلبيّة إلى خَانة التَّجارُب الإيجابيّة، بحيثُ يَستفيد المَرء مِن خَطئه ولا يُكرّره، لذَلك جَاء في الأثر «لا يُلدغ المُؤمن مِن جُحرٍ مَرَّتين»، وأكبر تَأثيرات الخَطَأ السَّلبيّة هي: زَرع الإعاقَة فيمَن يَعمل، ومُحاولة تَقليص مُبادراته، فمَثلاً أتذكَّر أنَّني عِندَما كُنتُ في الابتدائيّة، كُنتُ حَسَّاساً جِدّاً وأخشَى الرّسوب، هَذا الخَوف جَعلني أُفضِّل أن أتغيّب عَن الامتحَان، لذلك قَالت أُمِّي -قمَّصها الله ثَوب العَافية- لصَويحباتها: «إنَّ وَلدي أحمد لَم يَرسب ولَكن تَغيّب عَن الاختبَار». وهُنا استَبدَلت عُذر الخَطأ الذي هو غَبائي، بعُذر آخر وهو عُذر الغِيَاب عَن الامتحَان، بمَعنى أنَّني لَو حَضرتُ الامتحان لنَجحت؛ لذلك نَجد أنَّ عَاهة الخَوف مِن الخَطَأ تُعوق الطَّالب في مَدرسته، والموظَّف في إدَارته، والعَريس في زَواجه، ورَجُل الأعمَال في مَشروعه، وكُلّ هَذه الأصنَاف السَّابقة يَمنعها خَوف الفَشَل مِن البدء بالنَّجاح. ومِثل هَذه المُعيقات هي بمَنزلة سَلاسل وأغلال، تُقيّد أصحَاب الطّموحات مِن الرِّجَال والنِّساء.

في النهاية أقول:

إنَّ أصحَاب الفِلاحة والمُزارعين؛ هُم مِن أكثَر مَن يَتعامل مَع الأخطَاء بإيجابيّة عَالية، فهُم لَن يَتخوّفوا مِن الطيور أو الحيوانات أن تَهدم مَزارعهم، أو تَأكل مَحاصيلهم؛ لذلك قَال مُزارعو الحِجاز: «لو أخذنا حِساب العَصافير لما زَرعنا الدّخن والقَمح».

لذَلك أقول: يا قَوم، ازرَعوا أفعَالكم وطموحَاتكم وآمَالكم، ولا تَخافوا مِن عَصافير الفَشَل؛ فهي إمَّا أن تَتغلَّبوا عَليها، أو أن تَمنحكم خَطأً يَكون بمَنزلة لقَاح مقوّي يَدفع للنَّجاح.