أهل الصفح

شهرزاد

 

قد لا يملك البعض قُدْرة الصفح ونسيان الإساءة، وقد لا ينجح البعض الآخر بالمصافحةِ بعد انْتِهاءِ الأحداث المؤلمة التي مرَّت بهم وفرقت قلوبهم، وكسرت أحلامهم، وعرضتهم لخيبات كبرى، وتركت من الشروخ على جدران أعمارهم ما تركت..
فلا تستغرب حين يغادر أحدهم الحياة، ويرفض الطرف الآخر الصفح عنه، فالموت قد لا يكون نهاية للمواقفِ المعلّقة بين الأطراف المتخاصمة، ولا هو بالسبب الكافي لدى البعض لقلب الصفحة ونسيان الأحداث بكلِّ ثقلها ووجعها..
لذا لا يحق لك الاسْتِياء من ردود أفعال العاجز عن الغفران، فهذه حالة خاصة به هو فقط، وعدم مقدرته على الصفح عن شخص غادر الحياة بعد أن تسبب له بالكثيرِ من الأحزانِ والعُقد النفسيّة والتشوهات الداخليّة هو شأْن خاص به، ووحده من يملك الحق في اتخاذ القرار المناسب لإحْساسه، إمّا أن يغفر أو يرفع قضيّته إلى السماء..
فلا تبالغ بإظْهار اسْتِغرابك ودهْشتك لعدمِ مقدرته على الصفح، ولا ترميه بالحقدِ وتنعته بمسمَّيات مؤذية له، فأنت لا تعلم حجم مساحات الخراب التي زرعها الراحل في حياتهِ، ولا مدى عمق الأحزان التي تسبب له بها..
فهناك أحزان لا تنتهي بالموت، وهناك جروح لا تلتئم برحيل المتسببين بها..
لذا انتقِ لنفسك زاوِية خاصة بك، مارس عليها طقوسك، احزن على من شئت، وترحَّم على من شئت، واطلب المغفرة لمن تريد، وتصدّق عمن رحل كما تشاء..
لكن لا تتطفَّل على الزوايا الخاصة بالآخرين، ولا تؤدي دور المثالي والناصح على مسارح لا يحق لك الصعود عليها، ولا تستعرض مقدرتك على العفو أمام أرواح أنْهكتها الأحزان التي غرسها أحدهم قبل رحيله، ولا تظهر اسْتِياءك من العاجزين عن الصفح، ودع للآخرين قياساتهم التي تختلف عن قياساتك، وجروحهم التي تختلف عن جروحك، ومفْقوداتهم التي تختلف عن مفْقوداتك، فليس في كلِّ المواقفِ يمكننا أن ننجح في أن نكون ذلك المسامح الكريم، وليس في كل المواقف تنصهر المشاعر المؤذية لتتحوّل إلى كتلةٍ مهملة تحت أكوام النسيان، فبعض المشاعر تبقى مُشْتَعِلة ومُضاءة فينا، لاتنطفئ حتى ننطفئ..
قبل النهاية بقليل:
المسامح كريم، لكن بعض الأحزان تشوه مساحات الكرم في أرواحنا، وتعلمنا الشح في الغفرانِ..