أنواع و مفهوم الفن الجداري

أنواع و مفهوم الفن الجداري

يحتل التصوير الجداري مكانة مميزة بين جميع أشكال الفنون، إذ تعد الصورة الجدارية النوع الوحيد من الرسم التصويري الذي جاء بشكل ثلاثي الأبعاد، كما أنه الفن الذي أضاء عتمة الكهوف منذ قديم الزمان، قبل أن يعرف الإنسان الكتابة، حيث زخرت جدارنها بنقوش نقلت بدقة تاريخ أقدم الحضارات، ومنها تعرفنا على الفعاليات المختلفة التي كانت تُمارس، من أفراح، نشاطات اجتماعية وجنائز، حتى أنها نقلت بدّقة بعض اللحظات الحميمة أو الهامة، وكأن الزمن توقف لبرهة لالتقاطها بأدق مشاهدها، فمنها تعرفنا إلى أساليب الصيد البدائية، كما أخذنا لمحة عن الأجواء الأسرية آنذاك، كذلك كان ومازال التصوير الجداري يلعب دوراً في توعية الشعوب. وفي هذا المقال سنتعرف أكثر إلى هذا الفن المميز وبعض الحقائق المثيرة حوله، كما جاء في موقع "اندبندنت عربية".

ماهو التصوير الجداري؟

تواجد التصوير الجداري على شكل لوحات نُقشت على جدارن كهوف المناطق التي استوطنها الإنسان قديماً، ففي العصور البدائية، كان الإنسان يعتقد بأن هذه النقوش ستحميه من الشرور، كذلك كانت طريقته في التعبير عن أفكاره ومحاولة فهم ما يجري من حوله، لتكون النتيجة نقوش بسيطة تعكس بيئته ونشاطاته ومعتقداته، لاحقاً، استُغل هذا الفن لخلق الوعي بقضايا عامة، فيما استغله البعض لتعزيز الهويات السياسية والمجتمعية، كالنقد مثلاً.

عدا عن ذلك، للتصوير الجداري علاقة وطيدة بالهندسة المعمارية والفنون الجميلة، وبالتعمق بكلمة "جدارية"، نجدها مشتقة من الجذر اللاتيني murus، وبمفهوم فني، تعرّف الجدارية بأنها قطعة من الأعمال الفنية المطلية أو المطبقة تقنياً على سطح جداري، أما اللوحة الجدارية في الفنون الجميلة، فهي رسم يطبق مباشرة على سطح الحائط أو السقف، أو يتم رسمه على قماش canva ويثبت بعدها.

إذاً ما علاقتها بالهندسة المعمارية؟ ترتبط بها عضوياً، إذ يمكن لاستخدام اللون والتصميم والمعالجة الموضعية أن يغير بشكل جذري في الإحساس بالنسب المكانية للبناء، وهذا يفسر كون الصورة الجدارية هي الشكل الوحيد الثلاثي الأبعاد للرسم التصويري، لقدرتها على تعديل المساحة المطبقة عليها.

 

أبرز محطات التصوير الجداري

جدرايات المصريين القدماء
جدرايات المصريين القدماء

قبل أن تنعمق في ألوان ودلالات وتطور تقنيات فن التصوير الجداري، دعونا نتطرق إلى أبرز محطات هذا الفن عبر العصور المختلفة قبل أن يصلنا بشكله الحالي المعروف بالـ"الغرافيتي":

المصريين القدماء: اشتهروا بالجداريات التي زينت المعابد والمقابر الفرعونية، وكانت عبارة عن رسومات ترتبط بمظاهر الحياة آنذاك والطقوس الدينية، وقد استخدمت لتقريب الأفكار الدينية لأذهان الناس وخلق أجواء روحانية.

الحضارات المتعاقبة في بلاد الرافدين، السومرية والكلدانية والبابلية: احتوت على آثار فنية ورسومات تعكس شتى مظاهر الحياة من جميع النواحي.

الحضارة اليونانية القديمة: تأثرت في بداياتها بالحضارة المصرية.

العصر الروماني: في هذا العصر أصبح التصوير الجداري جزءاً لا يتجزأ من تصميم الديكور الداخلي، كرسومات على جدران وأرضيات القصور، تميز بتقنياته المختلفة وإبرازه للتعابير النفسية والعاطفية على الوجوه، وتزيين الصور بإطارات زخرفية مرسومة.

العصر البيزنطي: كان مزيجاً بين الفن اليوناني وفنون الشرق، وفيه ظهرت زخرفة الفسيفساء البيزنطية التي عنيت أكثر من غيرها بالشكل المعماري العضوي، فجاءت جداريات الفسيفساء الزجاجي مكملة لعمارة الكنائس البيزنطية.

العصر الغوطي: نال اهتماماً أقل درجة من العصور السابقة، ولكنه ظهر على شكل فن زخرفة النوافذ بتقنية الزجاج المعشق.

العصر الإسلامي: فيه ظهر فن التوريق "الأرابيسك" الذي يتميز بتداخل الأشكال الهندسية وصياغتها بطريقة فنية ملفتة، كما احتوى على زخارف نباتية وخطية، تحديداً الخط الكوفي وخط النسخ.

 

تطور ألوان وأساليب اللوحات الجدارية

اختلفت ألوان اللوحات الجدارية باختلاف الأدوات المستخدمة، حتى تميزت كل حضارة بدرجة لونية مفضلة حددتها طريقة الحصول على اللون ذاته، رمزيته ودلالاته الاجتماعية، مثلاً; استخدمت مواد طبيعية كالأتربة الملونة والعظام المتفحمة وبقايا الشحوم في العصر الحجري، بينما استُخدم الزجاج الملون والخزف بألوان قوية لتشكيل اللوحات الجدارية لدى الآشوريين.

برزت عدة تقنيات تطورت مع مرور الوقت لفن التصوير الجداري وأبرزها:

التمبرا:

هي طريقة تلوين تعتمد على ملونات جافة أساسها الماء، تحضر بخلطها بوسيط مائي لاصق كالمواد الراتنجية الطبيعية مثل الصمغ العربي (يُنتج الجواش) أو المواد الغروية الحيوانية أو زلال البيض أو الشمع المذاب، وهي تستعمل كوسائط لاصقة أو مثبتة للألوان، وتنفذ على أرضية كلسية جافة.

الفريسكو:

يعرف أيضاً بـ"التصوير الرطب"، تحضر ألوانه من الأتربة أو الأعشاب أو الأحجار الكريمة لإنتاج درجات لونية نادرة، تطحن وتخلط مع مثبتات ثم ترسم وتطلى على أرضية كلسية رطبة. بعد أن تجف، تضاف طبقة سطحية حافظة وعازلة من زلال البيض.

التصوير بالألوان الزيتية:

 يعتمد على خلط الصبغة اللونية بوسيط زيتي حامل من أحد الزيوت الشفافة القابلة للجفاف، لإنتاج جزيئات لون صلبة محمية بالزيت من جميع العوامل المناخية.

الفسيفساء:

تُعرف أيضاً بـ"الموزاييك"، تصمم باستخدام أجزاء صغيرة ومتعددة الألوان من خامات الزجاج أو الرخام الملون أو الخزف، ترتب إلى جانب بعضها لإنتاج موضوعات زخرفية أو هندسية أو نباتية وتثبت بالمونة.

الزجاج الملون المعشق

إضافة إلى تقنية "الأكريليك" والزجاج الملون المعشق، وغيرها من التقنيات الحديثة.

 

الجداريات الحديثة والغرافيتي

جدرايات غرافيتي

انتشر مصطلح "الغرافيتي" الذي يشير إلى الرسم أو النقش أو الكتابة على الجدران باستخدام أصباغ وبخاخات لونية، وارتبط ظهوره وتطوره بحركة الـ "هيب-هوب"، بالإضافة إلى الراب والـ "دي جي". ومع تطور هذا الفن، بدأ بعض فناني الغرافيتي بعرض أعماله الفنية في صالات خاصة، ويحمل فن "الغرافيتي"اليوم دلالات سياسية واجتماعية ودينية، فأصبح من أشهر الأساليب التي يتبعها الشباب للتعبير عن أفكارهم ومشاعرهم.