mena-gmtdmp

المقاهي الثقافيَّة في السعوديَّة.. مساحة تحتضن لقاءات المثقفين

سيدات في مكتبة عربية (مصدر الصورة: Getty Images)
سيدات في مكتبة عربية (مصدر الصورة: Getty Images)

تستهدفُ الاستراتيجيَّةُ الثقافيَّةُ للسعوديَّة ضمن رؤية 2030 إلى جعلِ الثقافةِ جزءاً لا يتجزَّأ من حياةِ المجتمع، وتفعيله بوصفه أحدَ مقوِّماتِ جودةِ الحياة، وكان من ثمارِ ذلك ما تشهده البلادُ حالياً من حراكٍ ثقافي، حوَّلها إلى وجهةٍ ثقافيَّةٍ عالميَّةٍ.
وفي ظاهرةٍ لافتةٍ على المستوى المحلي، استعادت المقاهي الثقافيَّةُ في السعوديَّةِ رونقها وتوهُّجها، لتصبحَ أخيراً لاعباً محورياً في المشهدِ الثقافي عبر جذبِ المثقَّفين، والمواهبِ الإبداعيَّةِ من الجنسَين للمشاركةِ في الأنشطةِ والفعاليَّاتِ المتنوِّعة التي تُعزِّز ثقافةَ الحوار، وترتقي بالذائقةِ الأدبيَّةِ لأفرادِ المجتمع.

حوار : عتاب نور

مقاهي الرياض وجهة عشاق القراءة والقهوة

 

جانب من الحضور والفعاليات المختلفة التي ينظمها المقهى -تصوير مي الحربي
                  جانب من الحضور والفعاليات المختلفة التي ينظمها المقهى -تصوير مي الحربي

 

في أحدِ مقاهي الرياض، وهو «مقهى أدب»، حضرت «سيدتي» حيث نُظِّمت أمسيةٌ للدكتور سعد البازعي، تابعها بشغفٍ واهتمامٍ لفيفٌ من المثقَّفين والمثقَّفاتِ وعشَّاقِ القراءة. لفتنا في المكانِ، بمجرَّد دخولنا إليه، رائحةُ القهوةِ التي تنتشرُ في أرجاءِ المقهى، إلى جانبِ الكمِّ الهائلِ من الكتبِ المتنوِّعة، وصورِ روَّادِ الثقافةِ في السعوديَّةِ والوطنِ العربي وعلى مستوى العالم، إذ تحتلُّ جزءاً كبيراً من جدرانه وديكوراته.
ويتبعُ المقهى الموسوعةَ العالميَّةَ للأدبِ العربي «أدب» التي تتفرَّعُ إلى «صالونِ أدب»، و«دارِ أدب»، و«وكالةِ أدب»، و«مقهى أدب». وتسعى الموسوعةُ إلى حفظِ الأدب العربي وخدمته، وتهيئةِ الظروفِ المناسبةِ لتغذيته بالتعاونِ مع الشريك الأدبي.
ويشهد المكانُ إقبالاً كبيراً من المثقَّفين والمثقَّفات من مختلفِ الأعمار، كما رصدنا، حيث يحضرون فعاليَّاتٍ وأنشطةً، وورشَ عملٍ، يقيمها عمالقةُ الأدبِ والثقافة.

الشريك الأدبي

أشاد الدكتور سعد البازعي بمبادرةِ الشريك الأدبي، ودورها في إشراك المقاهي بالمشهدِ الثقافي السعودي، وعدَّها من أهمِّ المبادراتِ التي أطلقتها هيئةُ النشرِ والأدب والترجمة حيث أحدثت حراكاً ثقافياً واسعاً وعميقاً، عادَ إيجاباً على الثقافةِ السعوديَّة. وقال البازعي: «من أبرزِ سماتِ مبادرةِ الشريك الأدبي، أنها نشرت النشاطَ الثقافي في مناطقَ عدة من السعوديَّة بعد أن أتاحت للمقاهي المشاركةَ في الحياةِ الثقافيَّة، وهو ما يعدُّ نقلةً نوعيَّةً في النشاطِ الثقافي لنجاحه في استقطابِ جمهورٍ كبيرٍ، والوصولِ إلى أماكنَ لم تعتد الناسُ أن ترى فيها نشاطاً ثقافياً».
واسترسلَ البازعي في التطرُّقِ إلى دورِ المقاهي تاريخياً في نشرِ الثقافة، مبيناً أنها تُعرَفُ منذ عقودٍ بـ «الحاضنِ للثقافة» في بعض بلدانِ العالم والدولِ العربيَّة، بينها السعوديَّة «إذ كان للمقاهي دورٌ ثقافي فيها، وإن كان هذا الدورُ محدوداً، لكن ما حدثَ مع الشريك الأدبي، أن الدائرةَ اتَّسعت، وكثرت المقاهي وإسهاماتها في الحياةِ الثقافيَّة، ويعودُ لها الفضلُ في هذه النقلةِ التي أصبحنا نرى أثرها اليوم».
يمكنك أيضًا متابعة صاحب مطعم يخصص وجبات مجانية للطلاب مقابل قراءة كتاب وتلخيصه

منصات ثقافية

صور المثقفين ضمن ديكورات مقهى أدب
                                                       صور لشخصيات ثقافية في مقهى أدبي - تصوير مي الحربي


يتعاونُ «مقهى أدب» مع عددٍ من المثقَّفين من داخل السعوديَّةِ وخارجها، والأنديةِ الأدبيَّة، والمبادراتِ الثقافيَّة لتنظيمِ أمسياتٍ وأنشطةٍ وفعاليَّاتٍ ثقافيَّةٍ جاذبةٍ لروَّاده، منها نادي سمو الحرف.
وفي هذا الجانب، تحدَّث إلينا سامي العريفي، مؤسِّس «سمو الحرف»، الذي كشف بدايةً عن تعاونهم مع مجموعةٍ من الأصدقاءِ والمثقَّفين لإطلاقِ النادي بوصفه مبادرةً بعنوان «أصدقاء الثقافة» لطرحِ موضوعاتٍ ثقافيَّةٍ للنقاش، وقال: «مع مرورِ الوقت، تحوَّلت المبادرةُ إلى منصَّةِ سمو الحرف، وباتت لها بصمةٌ ثقافيَّةٌ، وجمهورٌ خاصٌّ من المثقَّفين من الجنسَين على اختلافِ أعمارهم، كما نجحت المنصَّةُ في مدِّ جسورِ التعاونِ مع كثيرٍ من الجهاتِ، والمكتباتِ، والمقاهي الثقافيَّةِ لإقامةِ أمسياتٍ وفعاليَّاتٍ ثقافيَّةٍ، وتشرَّفت بالتعاونِ مع اثنينيَّة الدكتور سعد البازعي، وافتتحت فرعاً لها في المنطقةِ الشرقيَّة».

ظاهرة إيجابية

مكتبة جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن في الرياض (مصدر الصورة: Lynsey Addario/ Getty Images Reportage)
مكتبة جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن في الرياض (مصدر الصورة: Lynsey Addario/ Getty Images Reportage)

 

ترى الدكتورة خلود الكثيري، الاختصاصيَّةُ النفسيَّة، أن انتشارَ المقاهي الثقافيَّة حالياً، لم يعد أمراً مستغرباً، وتفسِّرُ ذلك بالقول: «الأطروحاتُ، والنقاشاتُ التي تتمُّ في هذه المقاهي غالباً ما تتواءمُ مع التقدُّمِ الذي تعيشه السعوديَّةُ في شتَّى المجالات، لا سيما بعد إطلاقِ رؤيةِ 2030، إذ اهتمَّت بالثقافةِ لكونها من مقاييسِ تقدُّمِ الأمم، فهي لا تعدُّ رفاهيَّةً، بل من الأساسيَّاتِ التي يحتاجُ إليها الإنسانُ لمواجهةِ الضغوطِ اليوميَّة».
وأضافت: «كما كنا نثني سابقاً على الثقافةِ الأجنبيَّةِ ومجتمعاتها، وتميُّزهم بثقافةِ القراءة في كلِّ مكانٍ، أصبحنا اليوم نسيرُ على النهجِ ذاته، ونرى انتشارَ المقاهي الثقافيَّةِ في بلادنا، وهذه ظاهرةٌ إيجابيَّةٌ، تدعو للتفاؤلِ بالمستقبل».
ما رأيك بمتابعة هيئة الأدب والنشر والترجمة تطلق منصة قارئ لدعم ذوي الإعاقة البصرية

 

 المقهى
                            جانب من مقهى ثقافي - تصوير مي الحربي


أسلوب حياة

إبراهيم المكرمي، روائي وكاتبٌ، أكَّد أن «المقهى أفضلُ مكانٍ يمكن أن يتَّجه إليه الشخصُ يومياً»، وذكر: «أذهبُ يومياً إلى المقاهي الثقافيَّةِ دون كللٍ أو ملل، وقد تحوَّل ذلك إلى عادةٍ وإدمانٍ جميلٍ، وأسلوبِ حياةٍ بالنسبةِ لي. في هذه الأمكنة، أستمتعُ بتبادلِ الحوارات، ومناقشةِ الموضوعاتِ المتنوِّعة بلغةٍ حواريَّةٍ راقيةٍ مع مجموعةٍ من عشَّاقِ القراءةِ والقهوةِ على حدٍّ سواء، أو أقضي وقتي بالكتابةِ، أو قراءةِ كتابٍ ما وسطَ أجواءٍ هادئةٍ، وهذا يسهمُ في خروجي بتجربةٍ ثريَّةٍ، ويؤكِّدُ عودةَ دورِ المقهى بوصفه منبراً للحوارِ والثقافة».

فضاء رحب للثقافة

لفت انتشارُ المقاهي الأدبيَّةِ أحمد المنقور، وعدَّها ظاهرةً صحيَّةً، شارحاً لنا فكرته بالقول: «لاحظنا في الآونةِ الأخيرةِ انتشارَ المقاهي الأدبيَّة، لا سيما بعد إطلاقِ وزارةِ الثقافة مبادرةَ الشريك الأدبي. هذه المقاهي، وضعت بصمتَها في تعزيزِ حضورِ الثقافةِ في المشهدِ المحلي، خاصَّةً في الرياض حيث نشهدُ تنظيمَ كثيرٍ من الأمسياتِ والورشِ الثقافيَّة، ما يتيحُ الفرصةَ لمدِّ الجسورِ بين الشبابِ وجيلِ الروَّادِ من المثقَّفين للنهلِ من خبرتهم، والاستفادةِ من تجاربهم الثقافيَّةِ ذات الأثرِ الجميل، وهذا بالتأكيد ينعكسُ إيجاباً على المشهدِ الثقافي السعودي».
واستطرد: «اليوم، تحوَّلت الرياض إلى فضاءٍ رحبٍ للثقافةِ، والمكتباتِ، والمقاهي الأدبيَّة، وانتشرت فيها البيوتُ الثقافيَّة التي تساعدُ القارئ في الحصولِ على الكتب».


محمد المكوار: المقاهي الثقافية مساحة معاصرة تجمع بين القهوة اللذيذة والمشهد الإبداعي

 

محمد مكوار متوسطاً الحضور والمشاركين لفعالية بمناسبة يوم التأسيس
                                         جانب من  الحضور والفعاليات المختلفة التي ينظمها المقهى - تصوير مي الحربي


في مدينةِ جدة، يبرزُ مقهى «مجالس المقام»، وهو من المقاهي الثقافيَّةِ التي تهدفُ إلى رفعِ الوعي الثقافي والاجتماعي عبر أنشطةٍ وفعاليَّاتٍ مختلفةٍ، بالشراكةِ والتعاونِ مع جهاتٍ عدة. ويسعى المقهى إلى إيصالِ رسالته، وتحقيقِ أهدافه بالمشاركةِ في البناءِ الثقافي للمجتمع، والوصولِ إلى مستهدفاتِ رؤيةِ السعوديَّة 2030 الثقافيَّة.
وعن فكرة المقهى، أوضح لنا محمد المكوار: «لطالما تمنَّيتُ إنشاءَ مكانٍ، أرغبُ في ارتياده بكلِّ التفاصيلِ الموجودةِ في مجالسِ المقام، وأن يكون محيطي هذا المجتمعُ الراقي المثقَّفُ سلوكياً، وأن أسهمَ بفاعليَّةٍ في الحراك الثقافي الذي يشهدُ توسُّعاً وانتشاراً وتطوُّراً بفضل الله، ثم بدعمِ برامجِ الدولة لتحقيقِ أهدافِ رؤية 2030 التي تولي اهتماماً كبيراً ببناءِ المجتمع، وتعزيزِ جودةِ الحياة، ومن أوجه دعمِ الرؤيةِ للمقاهي الثقافيَّةِ مبادرةُ الشريك الأدبي التابعةُ لوزارةِ الثقافة، وخلقُ جوٍّ من المنافسةِ العادلةِ بين المقاهي لتشجيعها على تبنِّي الأمسياتِ الأدبيَّةِ والفنيَّة، وتعزيزُ حضورِ الأدبِ في المجتمع، وفي هذا الجانب، يحظى الشركاءُ الفائزون بجوائزَ قيِّمةٍ، يتجاوزُ مجموعُها مليون ريالٍ».
وعن الأنشطةِ والفعاليَّاتِ التي يُقدِّمها مقهى «مجالس المقام»، أجاب المكوار: «المقهى عبارةٌ عن مساحةٍ اجتماعيَّةٍ وثقافيَّةٍ معاصرةٍ، تجمعُ بين القهوةِ اللذيذةِ الراقية، والمشهدِ الإبداعي. يسعى المقهى مثل غيره من المقاهي الثقافيَّةِ إلى أن يكون منصَّةً للحواراتِ الثقافيَّة، واكتشافِ المواهبِ الأدبيَّة، وتعزيزِ ذائقةِ القراءةِ والفنِّ لدى روَّاده، وتنميةِ مهاراتِ الصغارِ والكبارِ في فنونِ الكتابةِ الأدبيَّة، والإلقاءِ، ومهاراتِ التواصل، وتطويرِ الشخصيَّة، والتحفيزِ على القراءةِ الواعية، والتعبيرِ بالكتابة لجميع الأعمار، ومساعدتهم في تطويرِ مهاراتهم، وتغذيةِ ثقافتهم العامَّة».

1000 أمسية ولقاء

مقهى مجالس المقام -تصوير مي الحربي
                                                   مقهى مجالس المقام - تصوير مي الحربي


وذكر المكوار، أن المقهى، كان حلماً بالنسبةِ له عامَ 2008، وقد حقَّقه في 2022، واستطرد: «منذ تأسيسه إلى الربعِ الثالثِ من 2025، نظَّمنا ما يزيد عن 1000 أمسيةٍ ولقاءٍ، وكان الهدفُ منها إكسابَ روَّاده الخبرة، وإتقانَ التنظيم، وسنستمرُّ في ذلك حتى يتسنَّى لنا أن نتقدَّم لمبادرةِ الشريك الأدبي ونحن مؤهَّلون لهذه الشراكةِ الثقافيَّةِ الوطنيَّةِ الداعمة، ولنكون على قدرِ المسؤوليَّةِ للمشاركةِ في البناءِ الثقافي للمجتمع، والإسهامِ في تحقيقِ مستهدفاتِ رؤيةِ 2030 الثقافيَّة».

شراكات وتعاونات

وتحدَّث المكوار عن الشراكاتِ ومبادراتِ التعاونِ بين مقهى «مجالس المقام» والجهاتِ الأخرى بالقول: «نجح المقهى في مدِّ جسورِ التعاون، وعقدِ شراكاتٍ مجتمعيَّةٍ مع مجموعاتٍ تطوُّعيَّةٍ فيما يخصُّ الأنشطةَ الثقافيَّةَ التي تقيمها، إلى جانبِ توفيرِ المساحةِ، والإمكاناتِ لهم بلا مقابلٍ مادي، منها مجموعةُ هتان، ومجموعةُ المجد التطوعيَّة، وإقامةِ الفعاليَّاتِ الوطنيَّة، بينها اليوم الوطني، ويومُ التأسيسِ السعودي، ويومُ العلم بطابعٍ احتفالي مع مسابقاتٍ ثقافيَّةٍ حول معلوماتٍ عن الوطن، وجوائزَ لأفضل زي وطني، وأفضل زي تراثي، هذا مع إقامةِ لقاءاتٍ مع أطبَّاءَ مختصين للاحتفالِ بالأيام العالميَّةِ والمحليَّة».
وتابع: «نتعاون كذلك مع جمعيَّة وسم للتصلُّب اللويحي، ومجموعاتِ قراءةٍ، ونقيمُ أمسياتٍ لتوقيعِ ومناقشةِ الكتب، إضافةً إلى فعاليَّاتِ تبادلِ الكتبِ المستعملة بلا مقابلٍ، وورشٍ أسبوعيَّةٍ، ينظِّمها مختصُّون في فنِّ الكتابةِ والرسمِ والحِرفِ اليدويَّةِ الفنيَّة للإسهامِ في تكوين وعي ثقافي لمجتمعٍ راقٍ».
يمكنك متابعة الموضوع على نسخة سيدتي الديجيتال من خلال هذا الرابط