أحمد فضل شبلول والفرق بين الكاتب والشاعر

الفرق بين الكاتب والشاعر
الفرق بين الكاتب والشاعر
الشاعر يضع العالم في جملة
الشاعر يضع العالم في جملة
الفرق بين الكاتب والشاعر
الشاعر يضع العالم في جملة
2 صور

يستطيع كل من الكاتب والشاعر لمس الروح الإنسانية بأنامل ألفاظه السحرية، معبراً عن اختلاجاتها وتذبذباتها، هفواتها، وسقطاتها، عنفوانها وأمجادها.. مخترقاً كل مستغلق، مقتحماً كل موصد من أعمق مجاهيل النفس.. على أن هذه الخلطة السحرية من الموهبة التلقائية، والصنعة الفنية الحرفية تختلف من التألق للاجتهاد، ومن الفطرة للحرفة ومن الكاتب إلى الشاعر.. فهل الشعر موهبة أم حرفة؟! 

كتابة الشعر نتيجة القراءة والملاحظة والمعايشة والتفاعل والشعور
كتابة الشعر نتيجة القراءة والملاحظة والمعايشة والتفاعل والشعور

"سيدتي" التقت الشاعر والكاتب والأديب والكبير أحمد فضل شبلول، عضو مجلس إدارة اتحاد كتاب مصر، ورئيس لجنة العلاقات العربية بالاتحاد، وعضو مجلس إدارة هيئة الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية، للحديث حول الفارق بين الكاتب والشاعر من خلال الحوار التالي.  

بين الشعر والكتابة

الكاتب والشاعر أحمد فضل شبلول
الكاتب والشاعر أحمد فضل شبلول

الشعر نسق أدبي ضارب بجذوره في القدم.. من كان له السبق كتابة الشعر أم فعل الكتابة؟ 
 

الكتابة سبقت الشعر

كتابة الشعر نتيجة القراءة والملاحظة والمعايشة
كتابة الشعر نتيجة القراءة والملاحظة والمعايشة

أعتقد أنه الكتابة سابقة على الشعر، وكانت هناك مفردات وأدوات كتابية سبقت الشعر إلى الظهور، ثم جاء الشعر ليهذب هذا الكلام وتلك الكتابة ويضعها في أطر موسيقية وصور شعرية وبلاغية من تشبيهات واستعارات وكنايات، مع اختزال وتكثيف وتبئير حول نقطة معينة أو ملمح معين، كما أن هناك الانتقاء من بين كلمات كثيرة سابقة وكتابات سمعها أو اطلع عليها الشاعر، ثم جاء الشعر ليبلور كل هذا في ضربة سريعة موجزة ومكثفة من الكلمات المعبرة عن الاختلاجات الإنسانية والأشواق الفياضة، والمشاعر اللاهبة، سواء حزناً أو فرحاً، مدحاً أو ذمّاً، فخراً أو هجاءً.. إلخ. 

ما الفرق بين الشاعر والكاتب؟ 

تأتي عملية كتابة الشعر نتيجة القراءة والملاحظة والمعايشة والتفاعل والشعور، وتمثل التجارب الإنسانية وتجارب الآخرين مع الالتزام بنواحي تقنية معينة مثل موسيقى الشعر وصوره وأخيلته ولغته التي من المفروض أن تكون أسمى من الكتابة الأدبية العادية، فالشعر لغة شعور ومجاز، وليس لغة صحافة وحوار يومي. وهذا بالتأكيد أصعب من الكتابة الأدبية الأخرى مثل الرواية، فهناك قيود على الشاعر عليه أن يتعامل معها بمهارة وخفّة وفهم ووعي. وهذه القيود مع الشاعر الموهوب تصبح مثل  قيود الرقص ومقارنتها بالمشي على سبيل المثال. فكل الناس يمشون ولكن ليس كل الناس يعرفون قواعد الرقص الصحيحة. كل الناس من الممكن أن يدقوا على الطبول أو يصدروا أصواتاً من خلال الاتكاء على بعض الأوتار الموسيقية، ولكن هناك طبّال ماهر يلعب بالإيقاعات فيجذب الانتباه، وهناك عازف موسيقي ماهر، يعزف على الأوتار فتتوقف الآذان والأسماع والقلوب عنده. 

متى يتحول الكاتب لشاعر؟ وهل يمكن أن يتحول الشاعر لكاتب بسهولة؟! 

أرى أن كل شاعر من الممكن أن يصبح كاتباً، والعكس ليس صحيحاً، فالشعر في الأساس موهبة منحها الله لبعض البشر، وليس لكل البشر، ويتحول الكاتب إلى شاعر إذا عثر على تلك الموهبة التي ربما تكون كامنة فيه ولا يدري، ومع استكمال وإجادة أدوات الشعر ومداومة القراءة في عالم الشعر بشتى مدارسه واتجاهاته من الممكن أن يصبح شاعراً، أما الشاعر فلكونه يمتلك ناصية اللغة وناصية التعبير والتصوير والبلاغة والوصف والمجاز والمعمار، فمن السهل أن يتحول إلى كاتب، مع عدم الإسهاب في استخدام الصور الشعرية والبلاغية في مقالاته أو مؤلفاته الأخرى، حتى لا تختلط الأمور.  

ما رأيك الكاتب يضع جملة في العالم، والشاعر يضع العالم في جملة؟ 

ونحن نستطيع بسهولة أن نرى بيت شعر يلخص العالم أو يلخص صفحات من الممكن للكاتب العادي أن يكتبها ويحررها في جمل طويلة، فالبيت الذي يقول على سبيل المثال: 

وتحسبُ أنك جرمٌ صغيرٌ ** وفيك انطوى العالم الأكبر 

كيف يكتب هذا البيت المنسوب للإمام علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) إذا أردت أن أحوله إلى كتابة أدبية نثرية، سأضحى بقيم كثيرة أولها التضحية بالمعمار الموسيقي له المتكون من ثماني تفعيلات من بحر المتقارب (فعولن) ثم نتوقف لشرح (تحسب) ولماذا هذا الحسبان، ثم نتحدث عن الجرم الصغير ونقارنه بالعالم الكبير الذي يعد الإنسان شيئاً صغيراً فيه. إن هذا البيت يحوي فلسفةً وجمالاً ونظرة عميقة للكون والعالم وعلاقة الإنسان بهذا الكون، وكيف يشعر أحياناً بضآلته المتناهية رغم أن العالم يسكن بداخله، والكثير من التأويلات والشروحات التي تحتاج إلى صفحات. 

هل تجد الشعر يحتاج متذوقاً أكثر منه قارئاً عادياً؟ 

أعتقد أن الشعر حالياً يحتاج إلى قارئ ومتذوق من نوع خاص، حتى يستطيع الوصول إلى أعماق النص أو أعماق القصيدة الشعرية التي تحتاج إلى قارئ واعٍ يستطيع أن يفكك الكثير من مغاليق العمل الفنية ويدرك ما به من صور وإيحاءات وجماليات ربما لا يصل إليها القارئ العادي الذي تعود على أن يقرأ النصوص المباشرة  أو التقريرية، فالشعر عالم آخر.