يقصد مدينة "القيروان" الكثير من الزُوّار في أوقات الأعياد والمناسبات الدينيّة المهمّة ومن بينها شهر رمضان بغية التمكّن من الصلاة في مسجدها الجامع الذي يعتبر من أعظم المعالم الإسلاميّة في البلاد الإفريقية بكاملها. أسّسها الصحابي عقبة بن نافع و"القيروان" هي مدينة أسسها القائد عقبة بن نافع سنة 50 للهجرة، الموافق ل670 ميلادي، و جعل منها منطلقا لفتوحاته الإسلاميّة في زمن الخليفة معاوية بن أبي سفيان. ومن أهم الأسباب التي دفعت هذا الصحابي الجليل إلى بناء هذه المدينة رغبته بإيجاد قاعدة متينة ليتمكّن من نشر الإسلام منها إلى جميع البلاد الإفريقيّة وخاصة بلاد المغرب العربيّ ، وعُرفت بكونها قاعدة عسكريّة خرجت منها الجيوش الإسلاميّة، كما أنّ معظم الخلفاء كانوا قد اتخذوها عاصمة لحكمهم في الفترة ما بين العام 800-910م، وتتميز هذه المدينة بطابعها الإسلاميّ الذي يُذكّر بعظمة الإسلام وجلاله .
ينبوع الحضارة العربية الإسلاميّة
والقيروان ينبوع فيّاض من ينابيع الحضارة العربيّة الإسلاميّة ، تحظى بمنزلة رفيعة في قلوب المسلمين،وهي تحتضن قبر أبي زمعة البلوي، صاحب الرسول الأكرم. وقد أثنى المؤرخ الإدريسي(ولد عام 493 هـ ) في كتابه نزهة"المشتاق في اختراق الآفاق" على القيروان التي زارها قائلا: "القيروان أمّ أمصار وعاصمة أقطار، أعظم مدن الغرب قطرا وأكثرها بشرا، وأيسرها أموالا، وأوسعها أحوالا، وأتقنها بناء، وأنفسها همما وأربحها تجارة"
جامع عقبة ابن نافع
وجامع عقبة ابن نافع بمدينة القيروان هو من أجمل وأروع مآثر الحضارة الإسلامية على مر التاريخ، ومئذنته فريدة من نوعها في العالم الإسلامي. والمسجد الجامع هوأهم معلم في المدينة ، وهو- بشهادة الخبراء والمؤرخين والمهندسين- أبرز ما جادت به العمارة القيروانيّة ،. وقد تأسّس سنة 50 هـ، ويتميز بخصائص معماريّة تدلّ على وجود مدرسة فنّيّة قيروانيّة، ويبدو ببنائه العتيد وعلوّ سوره متأثّرا بالعمارة الدّفاعيّة، وهو يشتمل على 17 بلاطة وثمانية أساكيب ، وتعد مئذنته فريدة من نوعها في العالم الإسلامي .، ويشير إرتفاعها إلى إستعمالها عند الضّرورة كبرج مراقبة،وتبلغ مساحته الجملية 9700 متر مربع. وقد أدخلت على الجامع تحسينات كبرى في عهد الدولة الأغلبية في القرن الثالث هجري أي القرن التاسع ميلادي .
دعاء
"ومن يزور القيروان اليوم يدرك انه صحت فيها قولة مؤسسها عقبة بن نافع عندما دعا لها ولأهلها قائلا :"اللّهم أملاها علما وفقها، وعمّرها بالمطيعين لك، والعابدين، واجعلها عزّا لدينك وذلاّ لمن كفر بك، وأعز بها الإسلام، وأمّنها من جبابرة الأرض، اللّهم حببها لسكّانها وآتها رزقها رغدا من كلّ مكان". ومن أجمل ما يؤثر عن عقبة إبن نافع وصيّته لأبنائه بالقيروان لما عزم على التّوغّل في فتح المغرب. قال لهم: "يا بنيّ ! إنّي بعت نفسي من الله، ولا أدري ما يقضي عليّ في سفري. يا بنيّ ! إنّي أوصيكم بثلاث خصالا فإحفظوها ولا تضيّعوها: إملأوا صدوركم من كتاب الله، فإنّه دليل على الله، وخذوا من كلام العرب ما تهتدي به ألسنتكم، ويدلّكم على مكارم الأخلاق. وأوصيكم ألاّ تداينوا ولو لبستم العباء فإنّ الدّين ذلّ بالنّهار، وهمّ باللّيل، فدعوه تسلم لكم أقداركم ولا تأخذوا دينا إلاّ من أهل الورع، فإنّه أسلم لكم، ولا تقبلوا العلم من المغرورين، فيفرّقوا بينكم وبين الله، ومن إحتاط سلم ونجا".
هِبة سعوديّة
زارت وزيرة الثقافة في تونس أخيراً مدينة القيروان وأعلنت عن الانطلاق قريبا في ترميم التشققات العميقة بجامع عقبة بن نافع و"فسقيّة الأغالبة" و عاينت الوزيرة الوضعية الحالية لكلّ من "فسقية الأغالبة" وجامع عقبة بن نافع وتابعت اهم التدخلات العاجلة لترميم المعلمين وإعادة تهيئتهما ،و أكدت في تصريح لوكالةتونس افريقيا للانباء (وكالة رسميّة)أن الصندوق السعودي للتنمية قد أعلن عن موافقته لصرف جزء من الهبة المخصصة لإعادة تهيئة جامع عقبة ابن نافع ومحيطه الخارجي وجامع الزيتونة المعمور بالمدينة العتيقة للانطلاق فورا في الأشغال الاستعجالية لترميم التشققات العميقة التي يشهدها الجامع الكبير بالقيروان وفسقية الأغالبة، وذلك بعد تفاوض وزارة الشؤون الثقافية مع المدير التنفيذي للصندوق السيد سلطان بن عبد الرحمان المرشد والوفد المرافق له خلال جلسة عمل انعقدت مؤخّرا بالوزارة. وفسقية الأغالبة تعدّ أحد أشهر المؤسسات المائية في العهد الاسلامي وشاهدة على عبقرية مهندسي المياه في ذلك العصر وقد أسّسها ابراهيم بن الاغلب سنة 562 ميلادي كاحد الحلول لاشكال نقص المياه بالجهة. .
