المصممتان هدى بارودي وماريا هبري: نروي قصص الثقافات من خلال المنسوجات

المصممتان هدى بارودي وماريا هبري
المصممتان هدى بارودي وماريا هبري: نروي قصص الثقافات من خلال المنسوجات

بقجة Bokja... كلمة إقليمية تشير إلى «حزمة»، أو قطعة من القماش تُستخدم في لف ما يسمى «جهاز» العروس، الذي كانت تصطحبه معها من بيت أهلها إلى بيت زوجها الجديد، الذي غالباً ما يكون مع عائلته، وهو تقليد عائلي؛ حيث تلتفت الأنظار إلى التطريز اليدوي، الذي بذلته نساء العائلة البارعات في حياكة هذه الحزم القماشية التي تدعى «بُقجة». في أسبوع دبي للتصميم، التقينا صانعتي الروايات من خلال التطريز والمنسوجات لخلق أشياء أنيقة، هدى وماريا، اللتين ابتكرتا توقيع Bokja، وجمعتا أجزاء نسيجه في ترتيبات شعرية فريدة.

 

المصممتان هدى بارودي وماريا هبري

في عام 2000، التقت المصممتان الشغوفتان بالأثاث والمنسوجات والفن والتصميم، هدى بارودي وماريا هبري، وولدت فكرة «بُقجة»؛ حيث قضت هدى حياتها في جمع الأقمشة من طريق الحرير، أما ماريا فكانت خبيرة في قطع الأثاث العتيقة ذات الجمال الخفي.. خبرتان اجتمعتا لتجديد الأثاث القديم الموجود في متاجر التحف وأسواق السلع المستعملة بأقمشة ثمينة من المنطقة، منذ أسستا أستوديو يحكي قصة الثقافات المتعددة الموجودة في بيروت.

روعة الزمان البكر

حلبة Let’s Talk About the Weather

«أصل كلمة «بقجة» تركي، وهي تشير إلى النسيج المتقن الذي يتم فيه لف صندوق مهر العرائس».. معلومة شاركتنا بها هدى الشغوفة بالأثاث التقليدي والمنسوجات والسجاد، التي كانت تعمل خبيرة اقتصادية في بنك الكويت المركزي، تحكي عن ذكرياتها قائلة: «كنت أجوب أسواق السلع المستعملة وأجمع المنسوجات وأحتفظ بها في خزانتي، كانت أشياء تم تطريزها في الغالب بأيادي الحرفيات العفوية.. نقوش بسيطة ومتكررة وعفوية، لكنها لا تتناقض، وتحكي روعة ذلك الزمان البكر».
شاركت ماريا أطراف الحديث قائلة: «حياتي المهنية ملونة، كنت بائعة زهور وتاجرة أثاث عتيق. تلفتني المنسوجات من آسيا الوسطى والعثمانية والأثاث العتيق والتصميم والفن اللبناني، أركز بنظري على المشهد الفني والثقافي وأنا أتابع المواهب الإبداعية الغضّة».

تابعي المزيد: في أسبوع دبي للتصميم الفنان الإيرلندي Joseph McKeever: أعتمد الأنماط الإسلامية والخط العربي في أعمالي

 


لغة الخيوط الفنية

نماذج من وسائد «بُقجة»، التي تحكي قصة المكان والزمان

 


تابعت المصممتان دراسة العديد من التكرارات الفاتنة للشعارات من العهد العثماني، التي قامتا بتفكيكها والتعرف إلى معانيها، وبحثتا خلال رحلاتهما الطويلة عبر طريق الحرير، عن خبرات حرفية قديمة، وقد وجدتا مرادهما في العديد من قصص الثقافات التي تعتمد على نسيج التجميع الشهير، وهذا ما كسر الحواجز ونسج الروابط البشرية، تعلّق هدى: «من خلال المواد، ابتكرت بُقجة لغة تمكنت من ترجمة نفسها إلى العديد من المشاريع، كما يمكن عدّ اختياراتنا ذاتية، فنحن سيدتان جريئتان نبني قصة فنية قد تتجسد في مشروع».

 

أنسجة «بُقجة»

 

هدى بارودي: نحن سيدتان جريئتان نبني قصة فنية قد تتجسد في مشروع


رسالة إنسانية

نماذج من وسائد «بُقجة»، التي تحكي قصة المكان والزمان

 

تطرّقت الشريكتان إلى مشاورتهما قبل البدء بتصميم المشروع، الذي عادة ما يمزج أسلوب الثنائي بين التاريخ والعالم المعاصر. لتكون النتائج، حسب قولهما، مفاجئة حتى لهما، فهي مليئة بالتحدي في استخدام المواد والتقنيات الحرفية لصنع القطع المعاصرة، تستدرك ماريا: «تصاميمنا ليست تجارية فقط، فلدينا رسالة نحب أن يكون الناس على علم بها حقاً، وهي تحكي لغتنا في المنسوجات، وقصص ما يحدث حولنا، من عناوين الأخبار، إلى المظاهرات السياسية والقضايا الاجتماعية... هناك أحداث تدور في أذهاننا، وينتهي بها المطاف لتشكل خيوط تصميماتنا».
يمكن رسم دور المصممتين في الحفاظ على تقاليد الحرف المحلية بإصلاحها بأسلوب معاصر. بشكل لا يطغى فيه أحدهما على الآخر، وهو الإلهام الذي يجذبهما إلى ابتكار وصنع المفروشات اليدوية من قبل الحرفيين الذين يدمجون الفن والوظائف معاً، في قطع تحكي ملاحم سردية تاريخية.
كل هذا يتم في استوديو Bokja الذي يعد مختبراً، يستكشف تقنيات التطريز المختلفة، ويستخدم دائماً المنسوجات الأرشيفية للإلهام. من خلال عملية تشاركية وبطيئة توظف إمكانات الحرفيين لخلق أعمال معاصرة. تعلّق ماريا: «بقجة فريق من الحرفيين والمصممين الموهوبين من أكثر من 10 دول، ينقلون ثقافة بلدانهم عبر مختبر النسيج من خلال إعادة تعريفها بروح معاصرة».

تابعي المزيد: الفنان التشكيلي الأمير سلطان بن فهد آل سعود أعشق تكريم الأشياء المتروكة وتحويلها إلى قطع فنية

محادثات متعلقة بالوعي البيئي

أنسجة «بُقجة» التي استخدمت في تصميم الملابس

 


في أسبوع دبي للتصميم بدبي، كشفت المصممتان هدى وماريا، عن أحدث مجسّم فني لـ «بقجة» تحت عنوان Let’s Talk About the Weather، وهو عبارة عن حلقة الملاكمة بتصوير سريالي لحقيبة ملاكمة مكدسة ومحملة بمواضيع مختلفة في متناول اليد. يُظهر الرسم التخطيطي أن كلمات أينشتاين، «الإبداع هو الاستمتاع بالذكاء»، التي تغطي التثبيت وتزيد من روحه المرحة. تعلّق ماريا: «المجسم الذي يثير المرح يتناقض مع الجدية، وقد أظهر الحياة، على شكل حلقة ملاكمة، تستقبل كل من يواجه أكثر قضاياها إلحاحاً، سواء كانت البيئة أو الكوارث أو النكسات أو النكبات؛ لإضفاء الطابع الشخصي على هذه التجربة، وقد استخدمنا مواد صديقة للبيئة وقابلة لإعادة التدوير، من خلال تركيب فني يسمح للجمهور بالتعبير عن مشاعرهم وآرائهم على الحقائب والشرائط لإثارة حوار اجتماعي.. نحن نحاول إجراء المحادثات المتعلقة بالوعي البيئي والظلم الاجتماعي من خلال المنسوجات؛ حيث مكّنا الناس من كتابة آرائهم وعواطفهم عليها حول ما يجعلهم غاضبين»... مشروع بُقجة كان يشبه دعوة للنصر ورسالة مفادها: «لا تغضب ببساطة، افعل شيئاً حيال ذلك. استخدم قوتك»... وقد كان التركيب الفني أكثر من مجرد طيف عاطفي. إنها مرآة وانعكاس للواقع، وتدعو لفتح أعين المرء لمحاربة الظلم ضد الإنسانية والكوكب.

من اللافت أنه تم تثبيت أكثر من 5000 تعبير عن جميع أنواع المشاعر في كيس الملاكمة. تعلّق هدى: «فاجأنا الزوار بردودهم التي كانت مضحكة وعميقة وصادقة ومدمرة»!

 

 

ماريا هبري: لدينا رسالتنا التي تحكي لغتنا في المنسوجات وقصص ما يحدث حولنا


لا نتبع الاتجاهات

معدات الملاكمة من أقمشة «بُقجة»

 


دعت مجموعة مشيرب العقارية في منطقة الدوحة المصممتين لتصميم وعرض مجسمهما، أثناء بطولة كأس العالم، كجزء من شراكة متبادلة لتعزيز الفن المستدام، تعلّق ماريا: «من خلال هذا التثبيت التفاعلي والمتطور، أنشأنا فرصاً ثمينة للجميع للمشاركة في المحادثة، والتفكير في الموضوعات التي تحركهم وقريبة من قلوبهم. واجهتنا تصريحات غاضبة تمس مواضيع عميقة وخطيرة، مثل: الحرب في إيران، أو العقم، أو تحرير المرأة، أو خوف الأوروبيين من حرب أوكرانيا. ونحن ممتنون لثقة الناس بنا، والاستمرار في إحياء «تعبيراتهم عن الغضب».
أما عن ألوان المنسوجات والمفروشات المنزلية لعام 2023، فتجد المصممتان أن المستقبل هو الآن، وتودان خلق الوعي حول القضايا التي تهم الناس، ومواصلة الدعوة إلى المزيد من اليقظة والتعاطف، أكثر من تحديد الألوان، وتشعران بأن الاتجاه السائد هو بروز القصص الإنسانية العالمية في منسوجاتهما، تعلّق المصممتان: «لقد اتبعنا في بُقجة غريزتنا ومواهبنا في التنبؤ، فنحن لا نتبع الاتجاهات. وما يهمنا هو رسم طريق من الحكايات لرواد الموضة، وننصح النساء بالتحرك أكثر فأكثر فيما يتعلق بالتصميمات الداخلية المستدامة وإعادة التدوير؛ لأن المضي قدماً هو ما سيحافظ عليه».

تابعي المزيد: في أسبوع دبي للتصميم ..هدى العيثان وريما المهيري: عملنا يروي مشاهد تحاكي البيئة الإماراتية