mena-gmtdmp

رحلة إلى بامبلونا الجامعة بين عبق الماضي ونبض الحاضر

جانب من بامبلونا
جانب من بامبلونا

بامبلونا، عاصمة إقليم نافارا الإسباني، تنبض بالحياة بين جدرانها الحجرية وأسوارها القديمة وتروي حكايات لا تنتهي عن الحضارات التي مرّت بها على مرّ العصور. قد تعرفينها من مهرجان الركض مع الثيران الشهير، لكن ما تخفيه هذه المدينة يتجاوز ذلك بكثير. فهل جربتِ أن تكتشفي بامبلونا سيرًا على قدميكِ؟ في كل زاوية من حي كاسكو أنتيغوو العتيق، هناك أثر من الماضي العريق، من التماثيل البرونزية التي تحيي ذكريات المهرجان إلى الساحات التي ألهمت الكاتب إرنست همنغواي روايته الخالدة تشرق الشمس. ومع كل خطوة، تنكشف أمامكِ طبقات التاريخ في متحف نافارا، الذي يأخذكِ في رحلة زمنية تمتد من العصور الحجرية إلى الفنون المعاصرة، مرورًا بالإرث الروماني الذي منح المدينة اسمها الحالي. ثم، حين يحين وقت الراحة، ستجدين في مطاعمها الصغيرة تجربة ذوقية مفعمة بعبق المطبخ المحلي. فهل أنتِ مستعدة لاكتشاف بامبلونا، المدينة التي تمزج بين الحكاية والتاريخ والمغامرة في كل زاوية منها؟

جولة سيرًا على الأقدام عبر حي كاسكو أنتيغوو

بامبلونا تنبض بالحياة بين جدرانها الحجرية وأسوارها القديمةpexels


تمتد هذه الجولة الذاتية لمسافة 3 كيلومترات بين أجمل معالم بامبلونا التاريخية وأسوارها التي تعود إلى القرن السادس عشر. ابدئي رحلتك من نصب الركض مع الثيران وهو تمثال برونزي بالحجم الطبيعي يجسد هذا الحدث الشهير، ثم تابعي السير نحو ساحة مصارعة الثيران Plaza de Toros وابحثي عن النصب المخصص للكاتب إرنست همنغواي، الذي كان يتردد على المدينة كثيرًا في عشرينيات القرن الماضي وكتب عن مهرجان سان فيرمين في روايته تشرق الشمس. بعد ذلك، تابعي على الجانب الغربي من الساحة لتعبري شارع خوان دي لابريت عبر جسر المشاة باساريلا دي لابريت، ثم تمشي بهدوء على طول ممشى خوان مويا برنيدو حتى تصلي إلى حصن لابريت من القرن السادس عشر. من هناك، اتبعي خط الأسوار القديمة وصولًا إلى منصة المراقبة رينكون ديل كابايو بلانكو التي تمنحك إطلالة خلابة على التلال المحيطة، خصوصًا في أمسيات الصيف عندما يتوهج النهر والتلال تحت ضوء الغروب الذهبي. بعد الاستمتاع بالمشهد، انعطفي يسارًا إلى شارع كايي ديل ريدين حيث تمرين بأبواب حجرية تعود للقرن السادس عشر، ثم انزلي عبر شارع كايي دي لا كوريا. بعد ذلك، عودي إلى شارع كايي مانييتا وادخلي سوق سانتو دومينغو الذي يعود إلى عام 1876 لتشاهدي المنتجات المحلية الطازجة، قبل الوصول إلى متحف نافارا المميز بواجهته التاريخية التي تعود إلى القرن السادس عشر. 

اكتشفي التاريخ المحلي في متحف نافارا

يقع هذا المتحف في قلب بامبلونا التاريخي وتغطي مجموعاته فترة زمنية أوسع من متحف أوكسيدنس، إذ تبدأ من العصور ما قبل التاريخ وتمتد حتى الفنون الحديثة في القرنين العشرين والحادي والعشرين. كانت المنطقة تُعرف باسم إيرونيا قبل وصول الرومان، أما اسم بامبلونا فيعود إلى بومبايلو، نسبةً إلى القائد الروماني بومبيوس الكبير. ازدهرت بامبلونا لاحقًا بفضل موقعها على الطريق الشهير كامينو دي سانتياغو، الذي جعلها محطة أساسية للتجار. في المتحف، ستتعلمين عن هذه الفترات التاريخية المتعاقبة، وستكتشفين معروضات مبهرة أبرزها:

  • خريطة أباونتس وهي حجر منقوش يعود إلى عام 9815 قبل الميلاد يُعتقد أنه أقدم خريطة في أوروبا.
  • فسيفساء رومانية محفوظة بعناية.
  • تمثال برونزي بلا رأس لرجل يرتدي التوجا يُعرف باسم El Togado de Pompelo.

ابدئي جولتك من الطابق السفلي واصعدي تدريجيًا عبر أربعة الطوابق المليئة بالمعارض لتستمتعي بتسلسل زمني مدهش لتاريخ المدينة.

شاهدي منحوتات خورخي أوتيثا

على تلة في بلدة ألزوسا الواقعة على بُعد 9 كيلومترات شرق بامبلونا أي نحو 20 دقيقة بالحافلة، يقع متحف مؤسسة خورخي أوتيثا Fundación Museo Jorge Oteiza، الذي يعرض أعمال الفنان الباسكي أوتيثا (1908–2003) داخل مبنى حديث ومعرض كان يومًا منزله واستديوه الفني. يُعتبر أوتيثا من أبرز الفنانين في القرن العشرين. عند زيارتكِ، ابدئي جولتكِ في المبنى الرئيسي الخرساني العصري المصمَّم ليتناغم مع المنحوتات المعروضة. بعد ذلك، توجّهي إلى ورشته القديمة لمشاهدة فيلم قصير عن حياته والتجوّل بين مقتنياته الشخصية التي ما زالت في أماكنها، من كتبه إلى نظاراته. خصّصي نحو ساعتين للاستمتاع بجميع أقسام المتحف والمعرض.

بامبلونا، عاصمة نافارا الإسبانية، حيث يلتقي التاريخ بالمغامرة

مراقبة النسور فوق مضيق مذهل

إذا كنتِ من محبات مراقبة الطيور، فلا تفوتي زيارة فوز دي لومبيير، على بُعد 30 دقيقة بالسيارة من بامبلونا، حيث يمتد مضيق ضيق بطول 1.3كيلومتر يحتضن العديد من نسور الغريفون إلى جانب النسور المصرية ونسور اللِّحية. تعيش هذه الجوارح في شقوق المنحدرات وتجاويفها وتعدّ أيضًا ملجأً للثعالب والخنازير البرية والغرير. يكتسي الوادي بأعشاب الزعتر وبساتين الحور والصفصاف والدردار، ما يمنحه مشهدًا طبيعيًا ساحرًا.
يؤدي مسار بطول 5.5 كيلومتر إلى صعود تلّ مكسو بالأزهار البرية ثم نزول إلى داخل المضيق عبر نفق سكة حديد مظلم. اصحبي معكِ مصباحًا يدويًا وطعامًا وماءً إذا قررتِ القيام بالمشي. خصصي نحو ساعتين للتنزه والتوقف لمراقبة الطيور المحلّقة فوقكِ.

نزهة هادئة في وادي رونكال

بامبلونا، مدينة تمزج بين الحكاية والتاريخ والمغامرة في كل زاوية منها


في وادي رونكال، تتحول سفوح جبال البرانس إلى قمم شاهقة تخطف الأنفاس. في قرية إيسابا الحجرية الجميلة، الواقعة على بُعد 20 كم جنوب الحدود الفرنسية، ستجدين قاعدة مثالية لعشّاق المشي. تنطلق من القرية عدة مسارات وأجملها الطريق المؤدي إلى شلال بيلا بارثي، على بُعد 6 كم شمال شرق إيسابا. من زاوية الطريق الرئيسي للقرية مع ممر بارّيكاتا، اتبعي طريق GR11 نحو زوريثا، حيث يهبط المسار عبر وادٍ صغير ويمر بجانب كنيسة صغيرة، بينما يلوح جبل إزكاوري تشيكيا في الأفق. يتعرج الطريق بمحاذاة النهر حتى تصلي إلى الشلال الرقيق، في مشهد مثالي للراحة والتأمل. تبعد إيسابا حوالي ساعة ونصف بالسيارة من بامبلونا.

جولة بالسيارة أو الدراجة بين الصحراء

تنتظركِ تجربة فريدة في منتزه بارك ناتورال دي لاس بارديناس رياليس في نافارا، حيث تمتد أراضٍ شبه صحراوية تحت شمس ساطعة وأفق لا نهاية له. هنا، تتمايل الصخور بتكوينات غريبة الشكل كأنها ذابت بفعل الرياح والعناصر الطبيعية عبر الزمن. لا تفوتي مشاهدة تكوين كاستيلديتييرا المخروطي الشهير وصخور تريس إيرمانوس وتضاريس المنطقة التي تشبه سطح القمر. ارفعي نظركِ نحو السماء فقد تلمحين نسورًا مصرية أو طيور الحبارى العظيمة تحلق فوقكِ. تُعدّ القيادة عبر الطريق الدائري الذي يبلغ طوله 35 كيلومترًا الطريقة الأكثر شيوعًا لاكتشاف معالم المنتزه، حيث تمرين بأبرز التكوينات الجيولوجية المميزة. لكن إن كنتِ قادرة على تحمّل الحرارة وقلة الظل وهبوب الرياح، فإن ركوب الدراجة الهوائية أو الكهربائية سيمنحكِ مغامرة أقرب إلى الطبيعة. يمكنكِ استئجار دراجة في بلدة أرغيداس، كما يمكن إيصال الدراجة إليكِ عند مدخل المنتزه. ولا تنسي حمل كمية وفيرة من الماء. إذا اخترتِ ركوب الدراجة، حاولي أن تسلكي الطريق الجانبي الذي يمرّ بجوار قلعة بينافلور، خاصة في فصل الربيع حين تكتسي المنطقة بالزهور البرية والفراشات الملوّنة.