هل تساءلتِ يومًا كيف يمكن لمدينةٍ أُعيد بناؤها من تحت الرماد أن تُصبح لوحة فنية تنبض بالحياة؟ دريسدن، تلك الجوهرة الألمانية عادت لتتألق من جديد، تبدو اليوم وكأنها تروي قصصًا من الماضي وتغزلها بخيوط الحاضر. فهل تتخيلين السير بين جدرانها الباروكية المهيبة التي تشهد على عبقرية الهندسة والفن؟ أم تفضلين الغوص في تفاصيلها الثقافية التي تتجسد في كل زاوية من معالمها؟ في قلب المدينة، يقف مجمع زفينغر كتحفة معمارية تتحدى الزمن، يشهد على عظمة عهد أوغسطس القوي وعلى قدرة الإنسان المُبدع. فهل تكتفين بالتجول في ساحاته التي تحتضن سحر الباروك الأوروبي، أم ستغوصين أكثر لتكتشفي كنوز متحف البورسلان ومجموعة اللوحات القديمة التي تزين جدرانه؟ هناك، بين ريشة رافاييل ولوحات أساتذة أوروبا، قد تجدين نفسك وجهاً لوجه مع التاريخ الفني في أبهى صوره. رحلتكِ إلى دريسدن ليست مجرد زيارة لمدينة أوروبية، بل تجربة عميقة تتنقلين فيها بين الفن والذاكرة، بين العمارة والخيال.
استمتعي بإطلالة على البلدة القديمة

قد تبدو الكنائس في المدن الأوروبية القديمة متشابهة للوهلة الأولى، لكن كنيسة فراونكيرشه في دريسدن تتميّز بتاريخها ورمزيتها الخاصة. بُنيت الكنيسة في القرن الثامن عشر على الطراز اللوثري الباروكي، لكنها دُمّرت خلال القصف الجوي في الحرب العالمية الثانية عام 1945. وبعد الحرب، تُركت أنقاضها كرمزٍ للدمار والتذكّر، إلى أن بدأت أعمال إعادة الإعمار في أواخر الثمانينيات. وباستخدام 8000 حجر أُعيد استخراجها من الأنقاض، عادت التحفة المعمارية إلى الحياة رسميًا عام 2005. لا تفوّتي الصعود إلى المنصّة العلوية للاستمتاع بمشهد بانورامي مذهل لساحة نوي ماركت والمباني المحيطة.
تجربة فنية في ممر كونستهوفباساج
لكل مدينة حيّ يزدان بفنون الشارع وفي دريسدن، يتجسّد هذا الإبداع في حي نويشتا، الواقع على الضفة المقابلة لنهر الإلبه من البلدة القديمة. إلا أن ممر كونستهوفباساج لا يقتصر على رسومات الجدران فحسب، بل هو تجربة فنية متكاملة تنقلكِ إلى عالم من الخيال والألوان. عبر أزقّة ضيّقة تؤدي إلى مجموعة من الساحات الداخلية، يمكنكِ السير وسط الأعمال الفنية وكأنكِ جزء منها. في ساحة Hof des Lichts تضم شاشات عرض تفاعلية لعروض الوسائط المتعددة، إلى جانب مرايا معدنية تعكس ألوانًا مبهرة تتبدّل مع حركة الشمس. وتعرض ساحة الكائنات الأسطورية Hof der Fabelwesen لوحات وفُسيفساء خزفية للفنانة فيولا شوبِه، تجسّد مخلوقات غريبة تمزج بين أسلوب بيكاسو وفن اليونان القديمة.
تمتّعي بنزهة هادئة في تسفينغر

تُعدّ دريسدن، بعد إعادة إعمارها، مدينة تدعوكِ للغوص في جمالها وتاريخها ويأتي مجمّع تسفينغر، أحد أرقى نماذج العمارة الباروكية في قلب المدينة، كتحفة تتوّج هذا الجمال. اليوم، يُعتبر هذا المكان من أكثر الوجهات جذبًا للسائحات ومحبات التصوير، حيث يلتقطن أجمل اللقطات للعمارة الفخمة والفنون المعروضة في أرجائه. ولمحبات المتاحف، يضم المجمّع متحف الخزف Porzellansammlung الذي يحتوي على مجموعة لا تُقدّر بثمن من الخزف الصيني من القرنين السابع عشر والثامن عشر، إضافة إلى قطع من إنتاج مدينة مايسن الألمانية الشهيرة. أما معرض اللوحات القديمة Gemäldegalerie Alte Meister فهو كنز فني يحتضن أعمالًا أوروبية من القرنين السادس عشر إلى الثامن عشر.
التقطي أجمل الصور من شرفة بروهل

إن كنتِ من محبات التصوير، فمدينة دريسدن بكل تفاصيلها المعمارية الخلابة ستأسر عدستكِ بلا شك. وللحصول على أفضل لقطة بانورامية، توجّهي إلى شرفة بروهل Brühl’s Terrace التي تُعرف بلقب شرفة أوروبا. تمتد هذه الشرفة على مسافة 500 متر، مطلةً على نهر الإلبه في مشهد لا يُنسى. يعود اسمها إلى هاينريش فون بروهل، رجل الدولة في القرن الثامن عشر الذي أشرف على بناء العديد من الصروح الفخمة في المدينة. يُنصح بالوصول قبل غروب الشمس بقليل لتستمتعي بالتجوّل في الحديقة الشرقية أولاً، ثم بمشاهدة الشرفة ذات الطراز النهضوي وهي تكتسي بألوان المساء الذهبية.
زوريّ قلعة دريسدن الملكية
تُعد قلعة دريسدن الملكية في قلب المدينة القديمة واحدة من أبرز المعالم المعمارية في عصر النهضة، إذ شكّلت منذ القرن الخامس عشر مركزًا سياسيًا وثقافيًا هامًا لحكام ساكسونيا. اليوم، تحوّلت القلعة إلى مجمّع متاحف يضم مقتنيات ملكية نادرة تعكس روعة التاريخ الأوروبي. ابدئي جولتكِ بزيارة متحف الأسلحة والدروع Rüstkammer الذي يعرض مجموعة من الدروع الحربية والسيوف التي استخدمها النبلاء في العصور الوسطى. بعد ذلك، توجّهي إلى الخزانة الخضراء Grünes Gewölbe التي تضم كنوز الملوك والمجوهرات الفاخرة المرصعة بالأحجار الكريمة، ثم استكشفي القاعة التركية Türckische Cammer والتي تضم واحدة من أكبر مجموعات الفن العثماني خارج تركيا، ما يعكس عمق التأثير الثقافي المتبادل بين الشرق والغرب.
انطلقي في مغامرة مشي عبر صخور باستاي

تُعد حديقة ساكسون سويسرا الوطنية من أجمل المحميات الطبيعية في ألمانيا وتقع على بُعد مسافة قصيرة من دريسدن، مما يجعلها وجهة مثالية لعاشقات الطبيعة والمغامرة. من محطة القطار الرئيسية، يمكنكِ استقلال القطار الإقليمي إلى بلدة باد شاندا في رحلة لا تتجاوز 25 دقيقة، حيث تنتظركِ مناظر طبيعية خلابة وينابيع حرارية ساحرة. أو يمكنكِ التوجّه إلى كورورت راتن عبر القطار S1 للوصول مباشرة إلى صخور باستاي وهي تشكيلات صخرية ترتفع نحو 200 متر فوق نهر الإلبه ويعبرها جسر رملي مقوّس يشكّل مشهدًا لا يُنسى. وإن كنتِ تبحثين عن تجربة أطول، يمكنكِ المشي على درب الرسامين Malerweg الذي يمتد بطول 116 كيلومترًا ويُقسم إلى ثماني مراحل تمنحكِ تجربة تنقّل بين الغابات والمنحدرات. أما لمحبات المغامرات القوية، فيُعد تسلّق الصخور من الأنشطة المميزة هنا. تجنّبي زيارة باستاي في فصل الصيف إذا كنتِ تفضلين الهدوء، إذ تزداد أعداد الزائرات بشكل كبير.