mena-gmtdmp

كيف تحول المكياج عبر العصور من طقس جمالي إلى فن للتعبير عن الذات؟

كيف تحول المكياج عبر العصور من طقس جمالي إلى فن للتعبير عن الذات؟
من عرض جان بول غوتييه Jean Paul Gaultier- الصورة من Launchmetrics/Spotlight©

منذ القدم، لم يكن المكياج مجرد لمسة جمالية عابرة، بل كان وسيلة المرأة للتعبير عن ذاتها. مرت مستحضرات التجميل برحلة طويلة عبر العصور. تغيرت الأدوات، تطورت الصيحات، لكن الهدف ظل واحداً: أن تعبر المرأة عن ذاتها من خلال مكياجها من تكون، وماذا تريد أن تقول.
واليوم، لم يعد المكياج مجرد طلاء للوجه أو وسيلة لإخفاء العيوب؛ بل أصبح فناً راقياً يبرز الشخصية ويمنح المرأة القوة والثقة. إنه وسيلة لقول: (أنا هنا على طريقتي.) ومن خلال تتبع مسيرة المكياج عبر التاريخ، نكتشف كيف تحول من طقس بسيط إلى رمزللتعبير.

المكياج في الحضارات القديمة – حيث بدأ كل شيء

الكحل الأسود مع اللون الأخضر على الجفون للمسة ملكية مميزة - الصورة من Freepik

في الحضارات القديمة، لم يكن المكياج رفاهية أو زينة سطحية، بل كان جزءاً من الحياة اليومية وطقوساً اجتماعية.

الحضارة المصرية القديمة

في قلب وادي النيل، حيث نشأت مصر القديمة. اشتهرت الملكات مثل كليوباترا باستخدام الكحل الأسود الكثيف لتحديد العيون بطريقة دقيقة، ليس فقط لإبراز جمالها، بل لحماية العين من وهج الشمس القوية ولأسباب طقسية. كان الكحل يصنع من معادن طبيعية مثل المرمر والرصاص، ويستخدم من قبل النساء والرجال على حد سواء.

كانت العيون الواسعة المحددة بالكحل رمزا للقوة والحماية، في حين كان اللون الأخضر اللامع المصنوع من الملاخيت يستخدم لتزيين الجفون العليا، مما أعطى لمسة ملكية مميزة. كما كان استخدام الزيوت العطرية والمساحيق من الطقوس اليومية للحفاظ على البشرة وحمايتها من قسوة المناخ.

حضارة بلاد الرافدين

في بلاد الرافدين، كانت النساء يستخدمن الزيوت الطبيعية والكحل لتزيين عيونهن وحواجبهن. كما استخدمن الأصباغ الحمراء لتلوين الشفاه والخدود، مما أضفى مظهراً قوياً وراقياً. كان المكياج يعكس المكانة الاجتماعية؛ فكلما زادت فخامة الألوان وجودتها، دل ذلك على علو المرتبة.

الحضارة الصينية

أما في الصين القديمة، فكان المكياج رمزاً للانسجام مع الطبيعة. اعتمدت النساء على بودرة بيضاء لتفتيح البشرة، معتبرات أن البياض علامة على الرقي والنقاء. كما استخدمن أحمر الشفاه المصنوع من الزهور الطبيعية، ورسم الحواجب بشكل مقوس كان يدل على الأنوثة والتميز.

المكياج في العصور الكلاسيكية – من الطقوس إلى الترف

اليونان القديمة

في اليونان القديمة، كان مفهوم الجمال يرتبط بالبساطة والرقي. كانت النساء يفضلن بشرة فاتحة خالية من العيوب، إذ كانت علامة على النبل والطبقة الراقية. كانت مساحيق تفتيح البشرة مصنوعة من الطباشير أو الرصاص الأبيض، رغم خطورتها الصحية.

أما أحمر الشفاه فكان من مزيج الزهور والعسل، بينما كان التركيز الأكبر على صفاء الوجه. المكياج في تلك الحقبة كان يعبر عن الامتثال لمعايير الجمال المثالية التي وضعها المجتمع.

روما القديمة

في الإمبراطورية الرومانية، أخذ المكياج طابعاً أكثر جرأة. لم يعد مجرد وسيلة لإظهار الرقي، بل أداة للتفاخر بالثراء والمكانة الاجتماعية. استخدمت النساء كريمات وزيوتاً غالية الثمن، وأحمر شفاه بألوان زاهية. كانت المرأة الرومانية تعكس من خلال مكياجها مقدار ثروتها، إذ إن بعض المكونات كانت تستورد من مناطق بعيدة.

عصر النهضة – ولادة الجمال الأرستقراطي

في عصر النهضة الأوروبية احتلّ المكياج ليحتل مكانة بارزة


مع انطلاق عصر النهضة الأوروبية في القرن الخامس عشر، عاد المكياج ليحتل مكانة بارزة في حياة النساء، خصوصاً في الطبقات الراقية.
كانت البشرة البيضاء رمزاً للجمال والطبقة الرفيعة، لذا استخدمت النساء مساحيق تفتيح كثيفة. كما أصبحت الخدود الوردية والشفتان الحمراوان عنوان الأنوثة، فاستخدمت الأصباغ الطبيعية من التوت والفواكه لصنع مستحضرات بدائية.
كانت المرأة في هذه الحقبة تهتم بإطلالتها كلوحة فنية: الشعر مصفف بعناية، الوجه مطلي بطبقة ناعمة من المساحيق، والعينان محددتان بخطوط خفيفة. لم يكن الهدف فقط إبراز الجمال، بل تأكيد الانتماء إلى طبقة راقية ومثقفة.

القرنان الثامن عشر والتاسع عشر – المكياج كرمز للترف والهيبة

كميات كبيرة من المساحيق البيضاء مع خدود وردية و شفاه محددة - الصورة من Freepik


في القرن الثامن عشر، خاصة في فرنسا، بلغ المكياج ذروة الترف. كانت النساء في البلاط الملكي يضعن كميات كبيرة من مساحيق التجميل البيضاء على وجوههن مع خدود وردية قوية وشفاه محددة. كما انتشر استخدام “الخال الصناعي” على الوجه كرمز للرقي والجاذبية.
أما في القرن التاسع عشر، ومع التغيرات الاجتماعية والثورات الصناعية، أصبح المكياج أقل فخامة وأكثر بساطة. ارتبط الجمال بالأنوثة الرقيقة والطبيعية. بدأ ظهور مستحضرات تجميل تجارية بسيطة، مما جعل المكياج أقرب إلى متناول فئات أوسع من النساء.

القرن العشرون – المكياج من التجميل إلى التمكين

مع بدايات القرن العشرين، تغير كل شيء. تحررت المرأة من كثير من القيود الاجتماعية، وأصبح المكياج أحد أهم أدوات التعبير.

العشرينيات والثلاثينيات

شهدت هذه الفترة بروز نجمات السينما الصامتة، وكانت شفاههن الحمراء الداكنة وعيونهن المحددة مصدر إلهام للنساء حول العالم. أصبح المكياج موضة عالمية، ولم يعد حكراً على الطبقات الثرية.

الخمسينيات والستينيات

من عرض باريس Paris - الصورة من Launchmetrics/Spotlight©

مع بروز أيقونات الجمال، ساد أسلوب المكياج الأنثوي الناعم: الآيلاينر الأسود المسحوب، الرموش الطويلة، وأحمر الشفاه الكلاسيكي. أصبح المكياج وسيلة لتأكيد الأنوثة والتميز.

السبعينيات والثمانينيات

كانت هذه الحقبة عصر الجرأة. انتشرت الألوان القوية والظلال البارزة، تعبيراً عن الثورة على القوالب الجمالية التقليدية. كان المكياج صاخباً ومتنوعاً، يعكس روح الحرية والتجديد.

القرن الحادي والعشرون – المكياج كفن عالمي للتعبير عن الذات

من عرض سبراي غراوند Spray Ground - الصورة من Launchmetrics/Spotlight©


في العصر الحديث، ومع الثورة الرقمية وانتشار منصات مثل YouTube وInstagram، أصبح المكياج صناعة عالمية وفناً تعبيرياً لا حدود له. لم يعد محصوراً في مفهوم الجمال التقليدي، بل تحول إلى مساحة إبداعية تعبر فيها المرأة عن هويتها وشخصيتها.
ظهرت مدارس مكياج متنوعة: من المكياج اليومي الناعم إلى الفني المسرحي، ومن الإطلالات الطبيعية إلى الإطلالات الجريئة التي تستخدم في عروض الأزياء والمنصات الرقمية. كما لعب المكياج دوراً مهماً في دعم قيم تقبل الاختلاف، فلم يعد الجمال محصوراً بلون بشرة أو شكل محدد.
أصبحت مستحضرات التجميل متوفرة بتشكيلات واسعة تناسب كل أنواع البشرة وألوانها. كما أصبحت المرأة قادرة على اختيار الطريقة التي تعبر بها عن نفسها من خلال مكياجها: ناعم، جريء، كلاسيكي أو عصري.
في هذا العصر، لم يعد المكياج مجرد أداة تجميلية، بل فن حقيقي.

نصائح ذهبية للتعبير عن ذاتك من خلال المكياج

من عرض بول كوستيللو Paul Costelloe - الصورة من Launchmetrics/Spotlight©


إليك 8 نصائح ذهبية للتعبير عن ذاتك من خلال المكياج بطريقة تعكس شخصيتك وتمنحك ثقة وأناقة:

  1. اعرفي نفسك أولاً قبل أن تختاري أي صيحة أو لون، حددي ما يعكسك: هل تميلين إلى النعومة، الجرأة، الكلاسيكية أم الإطلالات العصرية؟ فالمكياج الأقرب لشخصيتك سيبرزك لا يخفيك.
  2. البساطة لا تعني ضعف التأثير: مكياج ناعم بألوان طبيعية يمكن أن يعبر عن أنوثتك ورقيك أكثر من إطلالة مبالغ فيها. تذكري أن الجمال في التوازن.
  3. اختاري ألواناً تعبر عن حالتك: الألوان ليست مجرد مظهر، بل لغة. الوردي قد يعكس الرقة، الأحمر القوة، والبرونزي الجاذبية الدافئة. اختاري اللون الذي يعبر عنكِ في كل لحظة.
  4. العين مرآة روحك: حددي عينيكِ بطريقة تبرز شكلها الطبيعي بدلاً من تغييره. اختاري رسمة الآيلاينر أو ظلال العيون التي تعكس نظرتك بثقة.
  5. لا تتبعي الموضة بل اصنعيها: الصيحات تتغير، لكن أسلوبك الخاص يميزك. لا تقلدي الآخرين بشكل أعمى، بل أضيفي لمستك الخاصة على كل إطلالة.
  6. تذكري أن المكياج وسيلة وليس غاية: المكياج لا يخلق الجمال، بل يبرزه. استخدميه لتعزيز ثقتك بنفسك وليس لإخفاء ذاتك.
  7. اهتمي ببشرتك قبل أي شيء: مكياجكِ يعكس صحة بشرتكِ. الروتين الجيد للعناية اليومية يجعل الإطلالة طبيعية ومتألقة دون عناء.
  8. ثقتكِ بنفسكِ هي اللمسة الذهبية: الجرأة في نظرتك، ابتسامتكِ، وحضوركِ تجعل أي مكياج يبدو أجمل. فالمكياج الحقيقي هو شعورك بالرضا عن نفسكِ.