28/30عين على الشاشة: نصوص كانت مفتاح النجاح الجماهيري الأول

15 صور

النص الإنساني المكتوب من روح وقلب المجتمع المعاصر الذي نعيشه لحظة بلحظة مع قليل من الخيال الفني الجذاب، هو مفتاح أي عمل درامي ناجح، هو العظم الذي يكسوه المخرج المبدع المتمكن اللحم، ثم يحوله نجومه بأدائهم الطبيعي الصادق على الشاشة إلى شخصيات حية تعيش معنا طوال شهر كامل، وهذه أهم النصوص التي شدتنا إليها بأعمال راقية الشكل والمضمون،وأمتعتنا على مدار شهر كامل.

"سجن النسا" للأديبة فتحية العسال والسيناريست مريم نعوم واقعية موجعة
نص أدبي واقعي وحقيقي جداً كتبته الأديبة الكبيرة فتحية العسال من سنوات طويلة،واشترى حقوقه الدرامية منها المنتج جمال العدل،وكتبته درامياً بحس إنساني وإبداعي حساس وصادق السيناريست المبدعة مريم نعوم،وأخرجته مبدعة متجددة تجيد الغوص في أعماق النفوس البشرية في أعمالها،واختارت لأداء أدواره ممثلات فيهنّ خامة مدفونة نجحت هي في تفجيرها ،فأبدعن لوحة إنسانية واقعية موجعة،رسمن فيها ملامح سجينات تحررن من سجن المجتمع والعائلة الكبير بجريمة ليدخلن سجن أصغر بقضبان من الفولاذ.
وجدير بهذا العمل من كافة جوانبه أن ينال اللقب الدرامي النسوي الأول بامتياز لأنه أنصف المرأة وكشف لأول مرة ظلم المجتمع والرجل لها المستمر تحت مظلة الدستور والقانون.
محمد أمين راضي في "السبع وصايا" يؤسس لنوع جديد من الكتابة الدرامية
استطاع الكاتب محمد أمين راضي منذ العام الفائت بمسلسله "نيران صديقة" لفت الأنظار إليه،وشد الملايين لمتابعته بمتعة وشغف،واستمر هذا العام على النهج ذاته،وبدلاً من الأسطورة ،لجأ هذا العام إلى الفلسفة الصوفية بنص درامي تشويقي يخفي في أحداثه الكثير من الرسائل الفلسفية والإجتماعية،فالخطيئة الأولى تجر صاحبها إلى خطايا أكبر،والتطهر يحدث كاملاً غير منقوص مهما كان دافعه ميراث أم توبة وعودة صحيحة لله، ونص "السبع وصايا" كان المفتاح الأول لنجاحه لأنه يؤسس لنوع جديد من الدراما لم يألفه النقاد ولا المشاهدين عبر قصة الصوفي سيد نفيسة الذي لاتعرف إن كان دجالاً أم صادقاً ،ويشك في أبوته لستة من أبنائه،وحين تكتشف ابنته الكبرى بوسي امتلاكه ثروة كبيرة تقدر بـ28 مليون جنيه تتآمر مع إخوتها على قتله،وتفعل ذلك وهو على فراش المرض لكن جثته تختفي، فيلوذون بالفرار ويرتكبون خطايا جديدة. لكن بوسي تكتشف أنه ترك سبع وصايا لهم إن نفذوها ستعود جثته ليرثوه، وتكون كل وصية كارثة جديدة بحد ذاتها ، وفي تنفيذها تطهير قسري بتوجيهه عن جريمتهم تجاهه،وتجاه ضحاياهم الجدد،وتتكشف الخيوط بأسلوب جميل في حلقاته الأخيرة والنهاية غامضة. فهل مات والدهم فعلاً أم هو مازال على قيد الحياة؟ وهل وصاياه السبعة هو من تركها فعلاً أم شخص آخر؟ وما هي النهاية العادلة لكل واحد فيهم بعد أن تلوثت أيديهم جميعاً بالخطايا؟
عمل جميل أصاب مشاهديه بالإدمان،ويتعجلون نهايته حلقة بعد حلقة،والبعض قرر متابعته للمرة الثانية في عرضه الثاني ليحس بمتعة متابعته الشيقة غير المملة.
وأبدع مخرجه خالد مرعي في الحفاظ على عذرية النص فقدمه ببهاء درامي دون أن يشوهه بقراءة خاطئة للنص.
عبد الرحيم كمال يقدم نصاً صعيدياً معرباً بنجاح في "دهشة"
نادراً ما ينجح نص معرب في إيصال الروح الأصلية للنص العالمي. لكن الكاتب عبد الرحيم كمال نجح إلى حد كبير في نقل الجزء الأكبر من فكرة مسرحية "الملك لير" للكاتب الإنكليزي وليم شكسبير حول جحود بنات الملك بعد توزيعه مملكته على ابنتيه الكبيرتين، وظلم الإبنة الصغرى التي لم تجد التعبير عن حبها له كأختيها المنافقتين. وكانت هي البارة بينهما، وشد المؤلف المشاهدين بنصه وبملك لير الصعيدي يحيى الفخراني بشخصية الأب الباسل. وما أحوجنا اليوم إلى مثل هذا النص الإنساني الجميل في زمن تزايد فيه عقوق الأبناء لآبائهم الكرماء الذين فعلوا مثل الباسل والملك لير، ووزعوا أملاكهم وما يملكون وحياتهم لأبنائهم في حياتهم، فجازوهم برميهم في دور العجزة سنوات حتى يموتوا فيها وحيدين.
ممدوح حمادة يعبّر عن أحلام المحاصرين في الداخل في "ضبوا الشناتي"
كعادته دائماً يعبّر الكاتب السوري ممدوح حمادة بنصوصه عن البسطاء،وفي نص مسلسله الكوميدي الإجتماعي السياسي "ضبوا الشناتي- الحقائب" يمتعنا بكوميديا سوداء تحكي ببساطة ورح كوميدية عالية قصة عائلة سورية مقيمة على خط التماس بين جنود النظام والجماعات المسلحة، فيقررون ضبّ حقائبهم وهجر البلد. لكنهم في كل مرة ينوون السفر بها تحدث مشكلة معهم أو مع جيرانهم تمنعهم من السفر. وكلها حوادث واقعية قد تتعرض لها كل عائلة سورية صامدة في بلدها لم تسافر بعد، وتتحمل مثل ذلك وأكثر. نص بسيط لكنه غني بالتفاصيل الإنسانية العائلية الحميمية والجميلة،وشدنا بقصصه وحكاياه التي تعيشها الآن آلاف العائلات السورية في سوريا، وأبدع أبطاله في تقديم هذه الكوميديا الراقية وعلى رأسهم الأب بسام كوسا وضحى دبس وأمل عرفه وأيمن رضا ونادين تحسين بيك وزملائهم.
رافي وهبي يحاول توثيق الأزمة السورية في "حلاوة الروح"
حاول الكاتب رافي وهبي في نصه شبه الواقعي الإفتراضي توثيق الأزمة السورية درامياً عبر مسلسله غير التقليدي والجريء في هذا الوقت "حلاوة الروح" الذي يرسل فيه عدة رسائل حول حلاوة الروح التي يعيشها المواطن السوري يومياً في بلده الجريح. وتتصارع الجماعات المختلفة الولاء في تقاسم مدنه وأراضيه مع النظام،وكشف تستر بعض المرتزقة تحت ذريعة الدين، فيسرقون الآثار ويبيعونها على أنها أصنام لا يجوز الإحتفاظ بها، لكن يجوز تهريبها وبيعها، مع أنها هوية البلد ووثيقته التاريخية. أما إخراج شوقي الماجري بعمقه الإخراجي الرفيع المستوى فمنحه ألقاً خاصاً وقيمة فنية لدى المشاهد العربي.
ونصه هذا أقوى درامياً وأجرأ من نصه السابق "سنعود بعد قليل".
خلدون قتلان يوحّد السوريين درامياً في "بواب الريح"
يشهد المشاهد العربي هذا العام عدداً وافراً من مسلسلات البيئة الشامية من أهمها فنياً وأدبيا مسلسل "بواب الريح" الذي حبك قصته بعمق إنساني محمل بإسقاطات سياسية معاصرة ذكية خلدون قتلان وأخرجه بحرفية لافتة درامياً وبصرياً المثنى صبح ،ويطرح برؤية شبه معاصرة فتنة جبل لبنان التي انتقلت إلى دمشق في عام 1860 ،وفيها تلميح ذكي لفتنة سياسية جديدة تعيشها سوريا بمشاهد ومواقف كثيرة،وطوق النجاة لكلتا الأزمتين عبر الوحدة الوطنية وإغلاق الباب الذي يأتي منه ريح الفتنة. فيقول بطله الرئيسي غسان مسعود لأهل الشام: " إذا لم نصفِ قلوبنا فنار الشر ستصلنا، والوحدة هي أول خطوة لتحرير البلاد من المحتل العثماني". وهنا يوظف الناس بعمل يحمل في طياته رسالة وحدة وسلام.