mena-gmtdmp
يقول أستاذ اللغة العربية في جامعة الملك سعود، الدكتور أنس بن محمود فجّال، بأن اللغة العربية تواجه تحديات مصيرية، وكانت وما زالت تخوض معارك من أجل البقاء بجمالها وصفائها وعذوبتها وتأثيرها في الثقافة العربية والعالمية، والمؤثرات السلبية التي تحيط بلغتنا العربية وتهددها كثيرة جدّاً، وخطرها على اللغة كبير، ومن مظاهر ذلك:
1- الكتابة بحروف غير عربية، وقد استسهل طائفة من الناشئة هذا النوع من الكتابة في التواصل عبر برامج التواصل الاجتماعي (الشات) لأسباب متعددة، وقد نشأ نوع من الكتابة يسمى (العربيزي)، وهي كتابة الكلمات العربية بحروف وأرقام أجنبية.
2- إهمال الإعراب، والنطق بكلام خال من علامات الإعراب والضبط بالشكل، واعتماد المقولة: (سكّن تسلم).
3- استعمال الألفاظ المولّدة والدخيلة، وتطعيم الجملة العربية بكلمات أجنبية، ظنًّا منهم بأن ذلك مظهر من مظاهر الرقي والثقافة الرفيعة، نحو قولهم: دخل (التيتشر) إلى (الكلاس) فلم يجد طلابه. أي: دخل الأستاذ إلى القاعة.
4- إهمال اللغة العربية واتهامها بالقصور عن مجاراة الحدث اليومي.
5- التحدّث باللهجات العامية، فقد هيمنت تلك اللهجات العامية على الأداء اللغوي في المجالات كافة، وهذا يؤدي إلى تفتيت اللغة العربية الفصحى التي عليها مدار الهوية الحضارية.
6- العبث الإعرابي: وذلك باستخدام الحركات الإعرابية في غير مكانها الحقيقي ؛ لأجل تزيين الكلام وزخرفته، وقد ظهرت برامج خاصة بذلك، وشاعت بين النشء في برامج التواصل ومنتديات شبكة المعلومات، يكتبون البسلمة على سبيل المثال بهذه الطريقة العبثية: (بُسِمً آلَلّهٍ آلُرَّحُمَنُ آلْرًحًيٌمْ) فتوضع الضمة والفتحة والكسرة والسكون والتنوين في غير موضعها الصحيح إعرابيّاً. والخطاطون العرب يستخدمون التشكيل كحلية وزينة للحرف لكن في مواضعها.
7- ضعف أساليب التعبير لدى الناشئة، ولاسيما بعد ظهور الإلكترونيات الحديثة، والاعتماد على المختصرات والرموز والأيقونات السيميائية التي تعبر عن حالة الشخص الشعورية دون الحاجة إلى التفكير في صياغة جملةٍ ما للتعبير عما في النفس.
ولحماية اللغة العربية من تلك التأثير ات السلبية مظاهرُ متعددة، منها:
1. العناية بتعليم اللغة العربية الفصحى للأطفال، وتلقينهم إياها في سن مبكرة، بطرائق ميسرة ومبتكرة.
2. التحدث باللغة العربية الفصحى في المحافل والمجالس ومؤسسات التربية والتعليم بمختلف مراحلها.
3. العمل على نشر اللغة العربية الفصحى وتعليمها للأجانب وإعداد البرامج التعليمية الخاصة بتعليم العربية للناطقين بغيرها.
4. التدريس بها، وجعلها لغة الكتاب والعلم في المدراس والجامعات وفي كل التخصصات، حتى الطبية والهندسية وغيرها من العلوم.
5. عرض النحو العربي وقواعده بطرق حديثة ومعاصرة، وإنجاز المؤلفات في ذلك.
6. العناية بدور وسائل الإعلام، وتبصير الإعلاميين بدورهم في نشر الفصحى ونبذ العامية، فبعض المذيعين يتفوق أداؤه الإعلامي على أدائه اللغوي، فلا يؤدي رسالته اللغوية بصورة سليمة، ويلجأ للتحدّث بالعامية ؛ لكونها أسهل استخداماً، ولا تتطلب مجهوداً كبيراً، مما يكوّن أجيالاً تستسيغ العامية أكثر من الفصحى، ولا شك أن اللغة العربية الفصحى جامعة للعرب، بخلاف العامية فإنها تغذي عوامل الفرقة والانقسام.
7. العناية بالتراث، وربط الحاضر بالماضي، فعلماؤنا الأجلاء استطاعوا خلال السنين الماضية أن يوصلوا لنا اللغة العربية الفصحى بكل قواعدها وأساليبها، فألّفوا المتون ثم الشروح ثم المختصرات ثم نظموها؛ تسهيلاً على الراغبين في تعلّم اللغة العربية والتبحّر في جمالياتها . أقول ذلك لأنّ الثقافة اللغوية التي يأخذها الناشئة الآن ليست ثقافة رصينة، وكتب تعليم اللغة العربية الآن المنتشرة في مدارسنا فيها مَحْقٌ ومَسْخٌ للأصالة اللغوية التي نستقيها من كتب التراث.
8. كثرة القراءة وإدامة النظر في عيون الأدب من القديم والحديث، وبخاصّة الكتب المضبوطة بالشكل الصحيح، مثل كتاب (الكامل) للمبرد، وكتب (الأمالي) عموماً، و(البيان والتبيين) وكتب الجاحظ عموماً، و(عيون الأخبار) لابن قتيبة، وما كتبه المنفلوطي والرافعي والعقاد والزيات وعلي الطنطاوي، وتكرار قراءة الكتاب نفسه مرات ومرات، حتى ترسخ تلك الأساليب اللغوية الرفيعة في الذهن، كما أدعو إلى قراءة (معجم لغوي)؛ كي يكتسب القارئ الكثير من الألفاظ والتعبيرات التي تنقذه وتعينه على التعبير بطلاقة. مثال ذلك معجم (المصباح المنير) للفيومي بتحقيق د.عبدالعظيم الشناوي. وقد سأل والدي أ.د.محمود فجال -في صباه- الشيخَ علي الطنطاوي: كيف أتقوى في الأدب، ويصبح أسلوبي جميلاً؟ فقال له : اقرأ (النظرات) للمنفلوطي، فقد قرأته أكثر من ثلاثين مرة.
9. القادة السياسيون لهم دور لا يمكن إغفاله في القدرة على التأثير بصورة فاعلة في نشر الفصحى وأساليبها واستخدامها، ولا يكفي في ذلك افتتاح المراكز والجمعيات والمجامع اللغوية، التي لم يعد لها ذلك الدور الفاعل كما كانت عليه سابقاً، وجهودها حبيسة مراكزها أو صفحاتها على مواقعها الرسمية في شبكة المعلومات، بل لابدّ من القرارات الفاعلة التي تتبناها وسائل الإعلام وسائر وزارات الدولة بدءاً بوزارة التعليم والثقافة والإعلام والتجارة والصحة والشؤون الإسلامية.. وغيرها.
10. وأختم بما ينبغي البدء به، وهو حفظ القرآن الكريم، ودوام مدارسته، والتأمل في إعجازه اللغوي والبلاغي، فهو وعاء اللغة العربية الذي لولاه لضاعت واندثرت منذ القدم.