خلف كواليس الحج .. قصص ومواقف مكاوية في خدمة الحجاج

14 صور

رغم تغيرات الزمن لايزال لأهل مكة عادات ومواقف جميلة مملوءة بالحب في خدمة حجاج بيت الله، وكيف لا وهم يعيشون في بلد تستقبل كل عام منذ آلاف السنين أناس من جميع البقاع والأصقاع.


عابدية خوقير-٨٠ عاماً- مطوفة تحكي لنا كيف كرّست هي وعائلتها حياتهم في خدمة حجاج بيت الله منذ أزمان و حتى اليوم.


فتستهل حديثها قائلة : "ياريت يابنتي الزمان يرجع وتشوفوا كيف الحب والخير والألفة بين الناس ، كنا قلب واحد الأب والأم والأولاد والجيران والصبيان نخدم الحجاج واحنا كلنا فرح".

الأتاريك والمقلقل في استقبال الحجاج
تحكي عابدية: " كان زوجي يذهب للخارج ليأتي بالحجاج لمكة وعند وصوله في المساء يتسلل لأذني وأنا نائمة صوت الصبيان “ياعمتي .. ياعمتي الحجاج وصلوا” أستيقظ لأشعل “الأتاريك” الفوانيس لتضيئ المكان، وأذهب مسرعة لتجهيز الضيافة من “المقلقل” وبعض الأطباق المعروفة والتي يفضلها الحجاج في بلدهم، كانت قلوبنا مفتوحة لكل الناس ، فقبل دخول الحج نخبز كميات كبيرة من المعمول والغريبة والشابورة ونوزعها على الحجاج طوال فترة الحج، نرسلها مع الصبيان في تنكات كبيرة نغلقها جيداً خوفاً من أولئك الصبيان أن يأكلوا منها، “ وتعلق ضاحكة” من تسهى في إغلاق تنكاتها تذهب مؤونة حجاجها على حساب صبيانها، كما نرسل المربى والزيتون والحلاوة الشامي والمكسرات وغيرها و نستمر في اعداد ذلك ساعات طويلة ،والحجاج أيضاً كانوا يأتون ببعض الأطعمة والأمور المختلفة من بلدانهم ليشاركونا بها ، كانوا يفرحون بمشاركتنا لهم كثيراً".

ثم تسرح قليلاً قائلة: "لازلت أتذكر زوجي وهو يتقدم الحجاج ويلبي وهم يلبون خلفه فيدخل الحرم ويطوف بهم ويحرص على راحتهم بكل خطوة ،كان يخدم حجاج بيت الله من قلبه وبقلبه، رحمه الله تعلمت الكثير منه ومن مرافقته برحلات الحج".

 

ولادة في حافلة الحجاج
وفي سؤالها عن أطرف المواقف في الحج قالت: " يا الله يالبساطة تلك الأيام، أتذكر في أحد السنين قررت الخروج مع حُجاج أبي رحمة الله عليه وأنا حامل، وأبي كان مطوف لحجاج بلاد الشام، في البداية أمرني بالعودة أو مرافقة زوجي في حجته فقلت له زوجي لم يظفر بحجاج هذا العام وأصريت على مرافقته، ومع اقتراب يوم العيد وفي حافلة النساء الحاجّات كتب الله لي الولادة ، حينها خافت أمي عليّ فهبت النساء الحاجّات لمساعدتي على الولادة وبالفعل رزقت بطفلة جميلة فسمعت أجمل الزغاريد وعمّت أصوات الفرح المكان ، لكن للأسف توفيت ابنتي بعد ولادتها ب ٣ سنوات".


الجوجوه والقِيس
وتستأنف ذكرياتها لتذكر لنا عادة تسمى الجوجوه وهو الاحتفال بالمواليد بعرفة في يوم العيد وتقول : " كنا ندعو كل الأطفال ونوزع المكسرات والحلويات “النُقل” ونضع القروش الفضة حول المولود ليأخذها الأطفال ونضع جنيهاً واحد ويبدأ التحدي بين الأطفال فمن يعثر عليه سيكون من نصيبه ، ونطلق الأهازيج ويمتلئ المكان بالزائرين والمهنئين حتى الحجاج ندعوهم ليشاركونا فرحتنا".
ويفيدنا د.سمير برقة إبن السيدة عابدية أن هناك عادة قديمة جداً اختفت قبل أكثر من ٥٠ عاماً كانت تسمى “القِيس” وفيها كانوا نسوة مختارات من نساء مكة يعملن كحارسات للبلد في غياب رجالها في الحج ،وكنّ نسوة ذوات قوة متلثمات لا يرحمن أي رجل يتخلف عن خدمة الحجيج يقع في قبضتهن فعقابه الفضيحة بمكوثه في بيته ورجال مكة جميعهم يخدمون الحجيج بالحرم المكي.


3 مهن لاتوجد إلا في مكة
وعن مهام سكان مكة في الحج قال د.برقة : "كان أهل مكة يستعدون للحج من أيام البصارة وتبدأ من نهاية الحج وحتى قرب موسم الحج للعام الجديد ، فالمطوف كان يجول العالم للتسويق لخدماته التي سيقدمها للحجاج ويأتي بهم إلى مكة فكلما زاد عدد حجاجه كان دخله المادي أفضل وهذه وظيفة المطوف، قد لايعرف الكثيرين أن هناك ٣ وظائف لاتوجد بالعالم إلا في مكة وهي الزمازمة وهم المسؤولون عن بئر زمزم وسقاية الحجاج، والرفادة وهم مسؤولين عن استقبال الحجاج والعناية بهم “ المطوفين”، والسدنة وهم من يملكون مفاتيح الكعبة ومكلفون بالعناية بها، وهذه المهام موجودة من آلاف السنين و حتى الآن".


دور المرأة السعودية مهم في خدمة الحجاج
أشاد د. برقة بأهمية دور المرأة في الحج في الماضي والحاضر ،فعائلته من زوجته وبناته لازلن يعاونّه في موسم الحج، ومازالت هناك أسماء نسائية بارزة تمتهن مهنة الطوافة التي توارثتها أباً عن جد، وقال أيضاً: " أنا حريص لتعود خدمات الحج في مكة على يد أبناء وبنات البلد، ويتعامل الحجاج مع السكان المحليين كما كان ذلك سابقاً، فقد كنا نستفيد من الحجاج بتبادل الثقافات ويخرج الحجاج من مكة بصورة ذهنية جميلة ومشرفة عن أهل البلد، للأسف الحاج الآن يأتي ويذهب ولايعرف عن أهل البلد ولا البلد أي شئ، أذكر في عام من الأعوام طلبت مني إحدى الجامعات أن أكلف طالباتها بعمل تطوعي فقمت باشراكهن في العمل بخدمة الحجيج ليضفن بذلك لمسات من الدقة والعناية والتفاني في العمل، من هنا أتمنى أن تسمح القوانين دخول المرأة في الخدمة داخل منى وعرفة ،فهذه مهنة ليست جديدة عليها فهي مهنة آباءها وأجدادها".