
إذا اضطرّ طفلك إلى جلب غرض ما من أيّة غرفة في المنزل بعيداً عنك، وجاءك وهو يلهث وينظر وراءه، وإذا أصرّ أن تدعي له النور مضاءً في الغرفة قبل أن يخلد إلى النوم، وإذا تسلّل في الليل إلى غرفتك وأراد أن يلمسك ليشعر بالأمان: فكل هذه الدلائل تشير إلى أنّ الظلام يحمل إليه معاني أخرى يجدر بك الإنتباه لها.
الإختصاصية في علم النفس مي أحمد تطلع قارئات «سيدتي» على الأسباب المسؤولة عن هذا الخوف الطفولي، وكيفية مساعدة أطفالهن على مواجهتها.
الخوف شعور طبيعي فطري إيجابي للحفاظ على السلامة والنجاة من الأخطار. ويشكّل الأطفال الفئة الأكثر تأثراً بمشاعر الخوف بحكم محدودية خبرتهم في الحياة وعدم استطاعتهم تفسير حقيقة بعض الأمور، فيميلون إلى تفسيراتهم التي تفتقر إلى الصواب. ومع افتقاد الطفل مهارات التمييز والإدراك للتفريق بين الأشياء واختلاط الحقائق الواقعية بالأحلام والتخيّلات، فإنّ أي مجهول وغامض بالنسبة له يصبح مصدراً للخوف!
ويعاني ملايين الأطفال من الخوف من الظلام بدرجات متفاوتة، علماً أن هذا الشعور يبدأ بالظهور والسيطرة على ذهن الطفل عندما يصبح قادراً على التخيّل، فيعتقد أنّ الظلام يخبّئ شيئاً مخيفاً وأنه سيهاجمه حين يكون بمفرده... وينجرف الطفل نحو هذا النوع من المخاوف ابتداءً من سنّ الثالثة، ويلازمه حتى دخول المدرسة، ويقلّ تدريجياً كلّما اقترب من مرحلة المراهقة.
إحذري الإستهزاء بخوف طفلك أو تعنيفه أو وصفه بالضعيف
وبالطبع، يلعب الأهل دوراً في مساعدة الطفل في التغلّب على رعب الظلام، ويلقى على عاتقهم الدفع بأطفالهم إلى تخطّي هذه المرحلة بسلام حتى لا تتفاقم المشكلة ويصابون برهاب يؤثّر عليهم طوال حياتهم.
أسباب مسؤولة
ثمة خطأ فادح ترتكبه بعض الأمهات عندما تريد إيقاف إزعاج طفلها، فتخيفه من بعض الأشياء (القطّة أو البعبع...)! وهي بذا، قد تكون نجحت في ترويضه، ولكنّها قذفت به في جحيم مرعب يصعب انتشاله منه، لأن الطفل يخال طوال الوقت أن هذه الأشياء المخيفة تتربّص به وتنتظر حلول الظلام عندما يكون وحيداً بغرفته لتفتك به.
ولقد وُجد أن البرامج والأفلام التلفزيونية تشكّل أبرز الأسباب المسؤولة عن شعور الطفل بالخوف من الظلام، بالإضافة إلى الموسيقى المنبّئة بالخطر في بعض البرامج المخصّصة للأطفال.
وممّا لا شك فيه أن أفلام الرعب التي تتسابق بعض القنوات على عرضها تساهم في تأجيج هذه الحالة، فيستقبل الطفل المشاهد المخيفة، معيداً تشكيلها في خياله الخصب كلّما خلا بنفسه! وفي هذا الإطار، تشير الإختصاصية أحمد إلى حالة طفل شاهد في سنّ الرابعة إعلاناً عن فيلم مرعب لم تتجاوز مدّته دقيقتين، وما يزال يعاني نوبات من الهلع الليلي جراء هذا الحادث، رغم بلوغه السابعة.
وهناك مصدر آخر لبعث الخوف الليلي لدى الطفل متمثّل في قصص قبل النوم، إذ تقوم بعض الأمهات بسرد قصص تذكر فيها الجنيّة والساحرة والوحش، ما يدفعه إلى التفكير بأشياء مثيرة للخوف.
وبالطبع، إن الطفل الذي يفتقد اهتمام والديه، وتغيب عنه الهوايات والأنشطة والإهتمامات التي تشغل الذهن، يبقى محدّقاً في أركان الغرفة المظلمة وحيداًَ في الليل حتى يستغرق في النوم، يكون أكثر عرضة للشعور بالخوف من الظلام.
أعراض الخوف
لدى انقطاع التيار الكهربائي في المساء أو إجبار الطفل على التواجد في أحد الأماكن المظلمة بالمنزل أو انغلاق باب الغرفة عليه، قد تبدو عليه بعض الأعراض: قوة خفقان القلب، سرعة نبضاته، صعوبة في التنفّس، برودة الأطراف، القشعريرة، جفاف الفم والحنجرة ممّا يؤدّي إلى صعوبة إخراج الكلمات أو نطقها متقطّعة، الشعور بالإجهاد والتعب والأرق، التعرّق، شحوب الوجه، إرتعاش الأطراف والشفتين، القيء والتبوّل اللاإرادي في بعض الأحيان.
يعاني ملايين الأطفال من الخوف من الظلام بدرجات متفاوتة
أبرز الحلول
تفهّمي مخاوف صغيرك واحترميها واحذري السخرية منها.
شجّعي طفلك على الحديث عن مخاوفه، إذ قد يخشى هذا الأمر في بعض الأحيان من فرط الشعور بالخوف.
إستمعي إليه كلّما أراد التحدّث عمّا يثير خوفه، مع محاولة تبديد مخاوفه بتوسيع مداركه لفهم حقيقة الأمور.
إمنحي طفلك المزيد من الإهتمام، فهذا الأخير يستطيع أن يميّز صدق إحساس والديه بما يعانيه. ومن الجيّد إفهامه أنه من الطبيعي أن يبحث عن الآمان لديهما، وأنهما سيكونان بالقرب منه إذا احتاج إلى أحدهما.
حاولي إلهاء ابنك بأنشطة بدنية وذهنية ووفّري له ألعاباً خاصة به وشجّعيه على اللعب وسط مجموعة من الأطفال طوال فترة النهار لمساعدته على تكوين مخزن للخيالات والأفكار الإيجابية ليتذكّرها طوال الليل.
يمكن استخدام ضوء ليلي خافت أو إعطاء الطفل دمية يرتاح إليها ويداعبها حتى يهدأ وينام.
لا تتمادي في الإستجابة لطلب طفلك النوم بجوارك، وقاوميه برفق ولطف لأن النوم في أحضانك لن يحلّ المشكلة.
إحرصي على تجنّب الأسباب المسؤولة عن خوف طفلك، وراقبي محتوى البرامج والأفلام التي يشاهدها.
