فتوى القرضاوي ببقاء المسلمة مع زوجها غير المسلم

اعترض بعض علماء الدين على فتوى الشيخ يوسف القرضاوي التي أكدها مؤخرا في رحلته الأولى إلى جنوب إفريقيا حين سئل أثناء إلقائه عدة محاضرات عن بقاء المسلمة مع زوجها غير المسلم طمعا في إيمانه، فذكر أنه ظل زمنا يعارض هذه الفتوى وكان يرى عدم جوازها، ولكنه اطلع على ما كتبه الإمام ابن القيم فوجد في المسألة تسعة أقوال، وزاد الشيخ عبد الله الجديع أربعة أخرى من كتب الآثار، وبعد المناقشة والبحث صدرت الفتوى عن المجلس الأوربي للإفتاء ببقاء المسلمة بعد إسلامها مع زوجها غير المسلم، طمعا في إسلامه، ولما قد يكون بينهما من أولاد ومودة، وما قد يمثله عدم إجازة ذلك من عائق عن الدخول في الإسلام.


 

يرى د.أحمد عمر هاشم رئيس جامعة الأزهر الأسبق ورئيس اللجنة الدينية بمجلس الشعب أنه لا تعقيب على فتوى الشيخ القرضاوي؛ لأنه عالم حجة مشيرا إلى أنه طالما قال ذلك فهو على صواب؛ لأنه رجل دين يملك الحجة والبرهان والدليل على ما ذهب إليه.

وأكد هاشم أن الشيخ القرضاوي استند في فتواه إلى مسائل ابن القيم والذي أجاز ذلك إذا كان هناك أمل في إسلام الزوج عن طريق زوجته.

د.محمد البري رئيس جبهة علماء الأزهر المنتخب قال إنه يجوز بقاء الزوجة المسلمة مع زوجها غير المسلم إذا كان الأمل المرتقب هو هداية الزوج في وقت قليل من إسلام الزوجة؛ حتى تكون الزوجة وسيلة من وسائل هدايته للإسلام، فلا بأس من التقارب على ألا يقربها كزوج إلا بعد التحقق من إسلامه؛ لأن هدايته إلى الإسلام مكسب كبير كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من الدنيا وما فيها"، ود.القرضاوي على رأس الهرم ومن أصحاب الفتوى، فأنا معها إذا كانت نتيجتها توقع الخير والهداية للزوج غير المسلم من وراء بقاء الزوجة.


زواج باطل

أكد الشيخ فرحات المنجي من كبار علماء الأزهر ورئيس مدينة البعوث الإسلامية السابق أنه سمع بفتوى الشيخ القرضاوي ولا يؤيدها، مشيرا إلى أن الفقه الإسلامي يقول: بمجرد إسلام الزوجة يفرق بينها وبين زوجها غير المسلم، وكذلك إذا ارتد الزوج المسلم عن دين الإسلام فيجب أن يفرق بينهما على الفور؛ لأن العقد في هذه الحالة أصبح مفسوخا تلقائيا ولا معنى لوجود امرأة مسلمة مع زوج غير مسلم، وهذا بنص الكتاب في سورة الممتحنة {لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن}، وأيضا لأنه –الزوج- لا يؤمن بنبي الزوجة محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والرسل، بينما تؤمن الزوجة بالأنبياء السابقين، ولا تنكر نبيه وكون الزوجة تظل مع زوجها طمعا في إسلامه فهذا أمر غير جائز والنبي صلى الله عليه وسلم حين زوج ابنته زينب بالعاص بن وائل كان هذا الأمر لم يحرم بعد، وحينما حرم ووقع في الأسر كان عند النبي ودخل على زينب ليحتمي بها، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم : "إياك أن يخلص إليك"، فدليلهم كان هذا الأمر غير محرم شرعا في البدء، أما وقد تنزل الكتاب فقال لها "إياك أن يخلص إليك"، وبعد أن ذهب العاص إلى مكة وأعطى الناس حقوقهم، وعاد إلى النبي صلى الله عليه وسلم وآمن ودخل الإسلام عاد إلى زوجته، كما عاد عليه عقده السابق.

قال الشيخ المنجي: أنا ضد هذه الفتوى ولا أجيزها لأي سبب من الأسباب فليس هناك شرع للأقليات في أوروبا أو جنوب إفريقيا أو شرع للأكثريات في بقية العالم الإسلامي بل هناك نصوص لا نتعداها.

 

يجب الفصل بينهما فورا

من جانبها أكدت د.سعاد صالح، أستاذة الفقه المقارن والعميدة السابقة لكلية الدراسات العربية والإسلامية بنات بجامعة الأزهر أن هذه الفتوى صدرت للأقليات المسلمة في أوروبا، ولأن الشيخ القرضاوي أخذ برأي ابن القيم إلا أن القرآن والسنة يحرمان ذلك صراحة، ففي سورة "الممتحنة" يقول الله عز وجل: {فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن}، فالمرأة إذا أسلمت وتأكد إسلامها يجب أن يفصل بينها وبين زوجها غير المسلم، وإذا كان البعض يطبق هذه الآية على المشركين وليس أهل الكتاب، فإن الرجل من أهل الكتاب أيضا لا يجوز أن يتزوج من مسلمة عملا بقول الله تعالى: {ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا}، فكيف تعيش امرأة مسلمة مع زوج سواء كان مشركا أو كتابيا ويبررون ذلك بأنها تعيش معه دون معاشرة زوجية فهل هناك في الإسلام زواج مع إيقاف التنفيذ؟. أنا شخصيا ضد هذه الفتوى.

د.القصبي زلط، نائب رئيس جامعة الأزهر وعضو مجمع البحوث الإسلامية لا يوافق على هذه الفتوى، وشدد على أن هناك نصوصا قرآنية يجب ألا نتخطاها، والتي ترفض إباحة بقاء المرأة المسلمة مع زوجها غير المسلم فهذا هو الأصل لكن إذا كان يجوز الاستثناء والاستحسان طمعا في إسلام الزوج فهذا رأي المفتي في ذلك، ووجهة نظره في هذه المسألة هي الاستحسان بالنسبة لإسلام الزوج برغم أن النصوص تحرم بقاء العصمة بين الزوجين، فقد أصبحت ممنوعة بعد إسلام الزوجة؛ لأن النصوص القرآنية والنبوية تحرم ذلك، وأنا معها؛ لأن إجازة ذلك من باب الاستحسان في حالات خاصة ليس بدليل من القرآن والسنة.


قد يكون سببا في ردتها

أما الداعية الإسلامي الدكتور مبروك عطية، الأستاذ بكلية الدراسات الإسلامية فيقول: لا نملك إلا أن نقول إن النبي صلى الله عليه وسلم قد ترك امرأة عكرمة بن أبي جهل ولم يفرق بينها وبين زوجها برغم أنها أسلمت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستأذنته في أن تلحق بزوجها الذي فر هاربا لتعود به مسلما، وقد أذن لها بذلك وبالفعل لحقت به وعادت به مسلما .. فإذا كان الأمر على هذا النحو فلا بأس بالقياس. أما أن نترك امرأة مسلمة على ذمة زوج غير مسلم ومصر على كفره والأمل المرجو قد يتحقق عكسه ليكون سببا في ردتها فهذا مما لا أراه، وقد حكم في هذه المسألة سبحانه وتعالى فقال عز وجل، {ولا تمسكوا بعصم الكوافر} كما قال جل شأنه {فلا ترجعوهن إلى الكفار} فإذا كان الله قد حكم بعدم الحل، فمن يملك أن يحل حراما؟ هذه المسائل ليست من مسائل الاجتهاد، وليس لأوروبا فقه ولا غيره، إنما الفقه واحد، فإذا كان للأقليات بعض الحاجات الضرورية ويجوز لها من مسائل الفقه الفرعية ما يتناسب وظروفهم، فالأمور تقدر بقدرها ولا نقول للأقليات ارتكبوا محرما أو استحلوا ما حرم الله، وإذا سأل سائل أين تذهب هذه المرأةوهي لا عائل لها؟ فالجواب هو أن المسلمين يجب أن يتكاتفوا ويجيروا هذه المرأة، وإذا كان هناك صعوبة عليها فلا بأس أن تمهل شهرين مثل امرأة عكرمة أو مثلما قال النبي صلى الله عليه وسلم لصفوان حين سأله: أعطني يا محمد شهرين، فقال له: لك أربعة، فإذا أمكن الاستنباط يجوز التصرف فيه على أمل إسلام زوج هذه المرأة، فإن كان كذلك فأهلا وسهلا، أما أن تترك على الدوام والأمل المبهم، فهذا الدين ليس دين غرر في المعاملات أو إصدار الأحكام .