الطفلة الذهبية

هو ليس عنواناً لقصّة خيالية، بل استوحيتُه من خبرٍ أوردته وسائل الإعلام عن النجمين البريطانيين ديفيد وفيكتوريا بيكهام، وقد حوّلا يديّ طفلتهما المولودة حديثاً، هاربر سيفن، وقدميها، إلى قطعة من ذهب، وذلك من خلال تذكارٍ يوزّعانه لمناسبة ولادتها.

>>> 

وقد وضعتِ الأمُ قدميْ الطفلة ويديها في قالبٍ طيني، أرسلتْه من أميركا إلى شركة بريطانية متخصّصة لصنع التذكارات، وتقدَّر قيمة الواحد منها بـ 1600 دولار.

>>> 

والشركة ذاتُها كانت قد أنجزت قالباً ذهبياً مماثلاً لابن رئيس وزراء بريطانيا السابق طوني بلير وزوجته شيري.

>>> 

لست أدري لماذا حضرتْ أمام عيني، لدى قراءة هذا الخبر، وجوه أطفالٍ ليس لهم حظّ تلك الطفولة المدلَّلة، والتي كانت في الوصف التقليدي، تولد وفي فمها ملعقة من ذهب.

>>> 

وهكذا كان، ومنذ قديم الزمان: أطفالٌ يولدون في أحضان عائلات ثرية، وتبتكر وسائل شتّى، للتعبير عن فرحها بقدومهم، وآخرون، يشاء سوء طالعهم أن يفتحوا أعينهم على الحياة، في أحضان أُسَرٍ فقيرة، بل ومُعْدَمة في بعض الأحيان؛ ويرافقُهم البؤس مدى الحياة، من أمثالِ طفولة البؤس التي بثَّتْ صورَها محطّاتُ التلفزيون، على مساحة الكون، لأطفال الصومال؛ وقد جاوز بؤسهم كلّ وصف، وبدتْ أجسادُهم أشبه بهياكل عظمية بسبب الجوع والمرض والفقر.

>>> 

والصومال ليس البلد الوحيد في العالم الذي أصابه الجفاف، وبالتالي، الجوع والمرض، إذ تؤكّد الإحصاءات أن معظم دول آسيا وأفريقيا، وبعض دول أميركا اللاتينية، تعرف مثل هذه الأزمات، والأطفال هم أكثر من يعاني.

>>> 

وحتى الساعة لم تتمكّن شرعة حقوق الطفل، مع كل الجهد والسعي، أن تتغلّب على هذا الواقع. كما أنه لا توجد اتفاقات دولية تُلزمُ الدولَ الغنية بالوقوف إلى جانب دولٍ يُنهكها الفقر، إمّا بسبب طبيعتها، وموقعِها الجغرافي، أو بتأثيرِ النزاعات والحروب.

>>> 

حتى في الأحوال العادية، وعندما تدقّ الحاجة الأبواب، نجد أن الأطفال يُصبحون الضحيّةَ الأولى، إمّا بسبب تفشّي الأمراض وسوء التغذية، أو جور الأهل حين لا تكون لهم القدرة على تربيتهم وتنشئتهم بصورة طبيعية، فيبيعونهم.

>>> 

ومن بعض المشاهد التي تلفتني، حالياً، في شوارع المدينة، أطفالٌ مشرّدون، يتوزّعون عند المنعطفات، أو يقفون تحت الأضواء، ليشنّوا هجومهم على عابري الطريق، في السيارات أو المُشاة. ويمدّون الأيدي بكل الذلّ، للاستعطاء.

>>> 

وأطفالُ الشوارع هؤلاء ليسوا من جنسٍ واحد، إذ يختلط الأولاد والبنات، وبعضُهم في مطلع سنوات المراهقة. ويؤكّد أحد العاملين في الخدمات الاجتماعية، أنهم ليسوا بالصدفة هناك، إذ تقف وراءهم مؤسساتٌ تتولى شؤون توزيعهم على النقاط الحسّاسة في المدينة، وحيث تكثر الحركة، حتى إذا حلَّ المساء تجمعهم مع الغلّة وتُجري المحاسبة.

>>> 

ثمة نوع آخر من الأطفال، وقد أصبحوا يتفتّحون في زوايا المدينة منذ الفجر الباكر، وألتقيهم حين أقوم بنزهتي الصباحية، وتراوحُ أعمارهم بين السن السابعة والعاشرة. وماذا يفعلون؟

بالطبع هم لا يلعبون، أو يقومون بمسحِ الطرق، بل تراهم جادين في سيرهم وسعيهم، ثيابهم نظيفة، ولا يستعطون؛ فماذا يفعلون؟ وإلى أين يذهبون؟

إلى الشغل.

ردّ المتقدّم بينهم على سؤالي.

وأي نوع من العمل؟

نشتغل في سوبر ماركت.

>>> 

ولأنّهم يعملون، فإنّهم يحافظون على نسبة ملحوظة من الثقة بالنفس، والحسّ بالكرامة.

وهم غرباء في المدينة.

>>> 

ولا ينقطع حواري مع الأطفال؛ وأتساءل: ما هو ذنبُهم أن يولدوا في عائلاتٍ تعجز عن سكب أقدامهم وأيديهم، منذ لحظة الولادة، في قوالب من ذهب!