عندما نبحث عن تفسير للحالة المرضية المتمثلة في اللوثة العقلية لهذا الوطن الممتد من الماء إلى الماء لا نجد إلا ثلاثة احتمالات، كلها مخزية، فإما أن يكون مخمورًا، وهذه أفضل حالاته فلعله يستعيد رشده يومًا ما، وإما أن يكون قد فقد عقله، أو أنه أصبح يتقيأ عقله في الخارج.
أقول ذلك بعد أن توافرت لديّ بعض الأرقام المخجلة لهجرة العقول العربية، وأستغرب حال هذا الوطن. كيف يفكر وعقله يصدر للخارج فيما يستورد هو المعلبات؟
فقد كشفت دراسة للأمم المتحدة أن حملة شهادة الدكتوراة من المهاجرين العرب في أميركا وكندا وأوروبا يتجاوزون نصف مليون شخص، وضعفهم من المهندسين والخبراء ورجال الأعمال المميزين بما يكشف أن هناك دولة عربية مكونة من مليون ونصف مليون «عقل» قد تم تصديرها للخارج.
الدول المتقدمة تصدر كل شيء إلا الإنسان فيما نحن نحجم عن تصدير كل شيء إلا عقولنا، فهي قابلة للشحن والتصدير، ولا أدري أيهما أكثر ضررًا؟ فقدنا لهذه العقول أم استخدامها ضدنا؟
وإذا كانت الدول العربية لا تولي أهمية للبشر كقيمة إنسانية فالأجدى أن تنظر لهذه العقول نظرة مادية أو كمشروع استثماري ناجح في حالة استثماره بشكل جيد، فالتجربة أثبتت أن الاستثمار في الإنسان هو أعظم مشروع تجاري، ففي دراستين للأمم المتحدة عن تأثير ظاهرة هجرة الكفاءات في السبعينات أظهرت أن مجموع الأرباح التي حصلت عليها الولايات المتحدة الأميركية من استثمار هذه الكفاءات بلغ مليار دولار في الفترة من 1961 إلى 1971 تشكل 503 في المائة من الدخل القومي الأميركي، وتضاعف هذا المبلغ ليصل إلى 100 مليار دولار خلال الفترة من 1971 إلى 1994.
المسألة تحتاج إلى قليل من المنطق ولكن ما يحدث خارج حدود المنطق.. المسألة تحتاج إلى قليل من الإحساس.. ولكن إحساس هذا الوطن متبلد.. المسألة تحتاج إلى قليل من العقل ولكن العقل مهرب، وبعد ذلك كله لا يمكننا سلب حق هذا الوطن في أن يكون غبيًا!!
شعلانيات:
الذين رأوا وقالوا، لم يعد عندهم ما يقولونه.
أما هؤلاء الذين يرون ولا يقولون فهم أكثر كلامًا، وأشد إيلامًا.
الاكتشاف ليس أن تجد أرضًا جديدة. وإنما أن ترى بعيون جديدة!
أصعب شيء في الدنيا هو أن تعرف قدر نفسك.
وأسهل شيء في الدنيا هو أن تنصح الآخرين!