افتتحت الحكومة الدانماركية سجن «ستورستوم» قرب بلدة جوندزليف في جزيرة فالستر في الدانمارك، على مساحة «115» ألف متر مربع، وهو ثاني أكبر سجن في البلاد، ويبدو من الوهلة الأولى، أنه مبنى جامعي أو فندق فاخر خمسة نجوم، ويضم المبنى الرئيسي تسعة مبانٍ أخرى، مع حدائق واسعة أشبه بمدينة سكنية فاخرة، متاح فيه الاختلاط والعمل والطهي والتنزه كأي مجتمع صغير آخر.
ووصلت تكلفة هذا السجن الفاخر إلى ما يقارب ثروة طائلة؛ لتخطيها الـ «160» مليون دولار أمريكي، مولت كاملاً من دائرة السجون الدانماركية، واستغرق خمس سنوات كاملة لإنشائه معماريًا وتجهيزه بالمعدات والأثاث، والهدف من هذا السجن المرفه، المساعدة على أن يكون مركز تأهيل نفسي وإصلاح اجتماعي للمساجين، أكثر منه سجنًا للعقاب المشدد والإذلال.
والدانمارك معروفة بسجونها المرفهة المميزة عن سجون باقي دول العالم، ونسبة الجريمة فيها متدنية جدًا؛ لأسلوبها الفريد في معاملة السجناء بكل تهذيب واحترام من أول يوم لهم في السجن لغاية إطلاق سراحهم، ويمكنه استيعاب «250» سجينًا، موزعين على أربعين مقصورة فاخرة؛ ليشعروا بالراحة والاسترخاء.
حمام ومطبخ وتلفاز 22
في كل مقصورة يوجد حمام ومطبخ حديثان فاخران، وثلاجة، وشاشة تلفاز 22 بوصة، ونوافذ كبيرة تدخلها الشمس والحرارة، ومطلة على مناظر طبيعية خلابة، بالإضافة إلى أسرّة وفرُش نظيفة تغير يوميًا.
وتشبه المقصورات بتصميمها وأثاثها الغرف الفندقية الفاخرة تمامًا.
صفوف للتعليم والتدريب
كما توجد أيضًا صفوف على أعلى مستوى لتعليم وتدريب السجناء كيف يغيرون سلوكهم نحو الأفضل، من أجل النجاح في الانخراط السليم في المجتمع، والعودة إلى حياتهم الطبيعية بدون مشاكل قانونية جديدة، والاتجاه للعمل والإنتاج في محيطهم الاجتماعي والأسري، وتوجد صفوف أخرى للمحاضرات المختلفة وتعليم الفنون للمساجين. كما تتيح المطابخ الخاصة في مقصورات المساجين، أن يصنعوا أكلاتهم المفضلة بأنفسهم.
ليس هذا فحسب؛ بل توجد ورش للعمل، وكنيسة للصلاة والعبادة، ومكتبة للقراءة، ومتجر بقالة، وملعب رياضي، وساحة مفتوحة مخصصة لزيارة عائلات المتهمين بجو نفسي مريح، ومماثل للبيئة الطبيعية التي كانوا يعيشون فيها، وكان من الممكن البقاء فيها لو لم يرتكبوا الجرائم ويدخلوا السجن، وهذا السجن ببيئته الأقرب للبيئة الطبيعية في الخارج، من شأنه كما أكد خبراء، أن يساعد السجناء على تغيير سلوكهم، والخروج بروح متحفزة للعمل والعطاء، وتغيير حياتهم للأفضل.
ولكنه أيضًا على الرغم من وسائل راحته ورفاهيته المثالية، هو السجن الأكثر مناعةً في العالم، وليس الأغلى والأكثر رفاهية فحسب؛ فهو محصن بالحديد والخرسانة المسلحة، وتمت تغطية الجزيرة بأكملها، المقام عليها السجن، بالكاميرات، ومحاطة مبانيه بجدار منيع بارتفاع عشرين مترًا، كما تمتد الأسلاك الفولاذية الصلبة فوق كل مباني السجن؛ لمنع أية مروحية خارجية بالهبوط.
وإن نجحت التجربة الدانماركية في سجنها الفاخر الأول من نوعه في العالم في تغيير سلوك نزلائه نحو الأفضل أخلاقيًا، وتحويلهم إلى مواطنين صالحين وفعالين ومنتجين بعد إطلاق سراحهم، قد تفكر دول كثيرة بأن تفتتح سجونًا فاخرة مثلها، وتتخلى عن سياسة التقشف، ولو على الأقل مع سجنائها.