في ذكرى رحيله الثامنة عشرة .. كيف أصبح طلال مداح العلامة الفارقة في تاريخ الفن السعودي؟

طلال مداح
طلال مداح
طلال مداح
طلال مداح
طلال مداح
طلال مداح
6 صور

ثمانية عشر عامًا منذ رحيل صوت الأرض طلال مداح، ولا يزال اسمه يتردَّد إلى يومنا هذا، وذكراه عالقة في الأذهان، كيف لا وهو من رسم خارطة الأغنية السعودية الحديثة التي وصل بها إلى العالمية، وذلك من خلال نبرة صوته وأغنياته الخالدة عبر مرور الزمن، لتخلد في تاريخ الأغنية السعودية عبر أكثر من خمسة عقود زمنية، وتحتل مكانة لا تُمحى مع مرور الأجيال الفنية، جيل تلو الآخر، ليتعلموا منه الفن الحقيقي.

هو من أوائل الفنانين الذي هيمنوا على الأغنية القصصية والحزينة والعاطفية، لتكتب "المقادير" اسمه كأحد أبرز الفنانين في تاريخ الأغنية السعودية والخليجية، قدم الراحل طلال مداح نفسه من خلال تألُّقه بصوته الشجي في المسارح العربية والعالمية، على مسارح مصر، وذلك رغم وجود عمالقة الفن آنذاك، أمثال عبد الحليم حافظ وأم كلثوم وفريد الأطرش، إلا أنه صدح في مصر ليؤدي روائع الأغنية السعودية التي قام بأدائها لتصل أعماله عربيًّا إلى الجمهور المصري، رغم الزخم الغنائي والموسيقي الذي هيمنت عليه مصر في تلك الفترة الزمنية، ليؤرخ طلال حضوره اللافت حتى عرفته الجماهير هناك.

ومن خلال تلك الخطوة التي لفتت إليه الأنظار، لم يتوانَ الراحل عن التعاون مع عباقرة الفن الغنائي في مصر، ومن أبرزهم الموسيقار محمد عبد الوهاب في أغنية "ماذا أقول"، وبليغ حمدي بأغنية "يا ملاك الحسن"، ومحمد الموجي بأغنية "لي طلب"، ومع الملحن جمال سلامة في أغنية "يا حبيب العمر"، الذي قدم معه تعاونًا غنائيًّا وشكلا معًا حالة فريدة من التوأمة الفنية إبّان فترة الستينيات، التي تُعتبر فترة ذهبية لطلال، ليمزج الأغنية السعودية باللحن المصري الشجي، ويصبح طلال واحدًا من أبرز الفنانين السعوديين حينها.

طلال مداح وصناعة الأغنية السعودية
هيمن الراحل طلال مداح على الأغنية السعودية، ورغم ضعف الإمكانات وقِلَّة الموارد في حقبة الستينيات، فإنه بفضل موهبته الرائعة تمكَّن من خطف الأنظار والإبحار في سماء الأغنية السعودية، لتولد معه أجمل القصص والحكايات التي تُروى لأجيالٍ عن طلال والروائع التي قدَّمها، فلا يوجد أي عمل من أعماله الرنانة -التي سكنت الوجدان في لحظة ما- إلا ويعبّر عن لحظة شجيّة، وربما قصة محفورة في القلب، هكذا يكون طلال وتكون أغنيته، التي وُلدت لتعيش، وتتعرف عليه الأجيال التي لم تعاصره، لتعرف مكانة طلال والأغنية السعودية، ورغم أن أغنية "وردك يا زارع الورد" كانت أولى أعماله الغنائية، التي شدا بها، ومنها بدأت قصة الأغنية متنوعة الكوبليهات أو المقاطع، فإن الأعمال الغنائية التي قدَّمها من بعدها حُفِرَت في الأذهان، لتترددَ إلى وقتنا هذا حتى أصبحت تُدرَّس في المدارس الموسيقية، وأصبحت مقياسًا لأداء الفنانين حتى في برامج المواهب الغنائية، فقد سيطرت حنجرته الذهبية التي تعانق الأحلام لتكتب معها ألف قصة وحكاية، ليحظى طلال بمكانته العريقة وتميُّزه في الساحة الفنية العربية، كأول فنان يقيم حفلات غنائية خارج السعودية، ومنها وصل صوته للإذاعات الأوروبية كأول صوت غنائي سعودي يصل لأثير الإذاعات البريطانية وأوروبا.

عبَّر طلال في أغنياته التي نَثَرَهَا لتفوحَ عطرًا في سماء الأغنية العربية، وتكتمل مقوماتها الجغرافية شرقًا وغربًا، عن حالة شاعرية حينًا، وحالة حزينة في بعض الأحيان، لتلمس أوتارَ قلبِ من يسمعها، ويشعر أنها قصة أغنية كُتِبَت له، ليلامس بها طلال شغاف القلوب، وأغنية "خلصت القصة" لم ينتهِ طلال منها إلا وحملت معاني الفراق والمحبة، وأغنية "أنا العاشق" التي تغني للعشَّاق والمحبين، وأغنية "المعدن ذهب" التي تغني للأصالة والوفاء، وبالحب لم يتوانَ طلال عن تقديم جميع الكلمات الجزلة التي تكتمل فيها عناصر الأغنية الحقيقية ومقوماتها التي تصل للأعماق، ليكون الفنان الشامل الذي لم يختلف عليه عباقرة الفن.

تأثير طلال مداح على الأجيال من بعده
الحب الكبير الذي ملكه طلال للفن كان غير اعتيادي؛ فالحب والشجن اللذان حَمَلَهُمَا على عاتقه وكأنه يوجِّه من خلالهما رسالة فنية، بأيدٍ أمينة، جعلا الكثير من الفنانين والفنانات يؤكدون أن طلال قدوتهم، نظير حُسْنِ الكلمة التي كان يؤديها لإيصال الرسالة السامية للفن. وعلى مستوى الألحان قدم ألحانًا رنانة للكثير من نجوم الفن في الوطن العربي، مثل فنان العرب محمد عبده، الذي قال عنه يومًا إنه رجل الأغنية السعودية الأول، وهو الأصل ونحن نتفرع منه، وعبد الكريم عبد القادر ورباب وذكرى وهيام يونس، ووردة الجزائرية وسميرة سعيد وفايزة أحمد، وغيرهم الكثير، ولم يكن الراحل مجرد مُلحِّن بل كان أخًا وصديقًا مقربًا للفنانين، لدرجة الاحتواء، ورغم المحبة الكبيرة التي حظي بها، فإن الوفاء هو خصلته، ورغم السنين العجاف التي مرّت على رحيله، فإن الوسط الفني لا يزال يذكره في المناسبات الفنية؛ لأن التنافس الذي يراه طلال بينه وبين الفنانين كان يُطلق عليه التنافس الشريف، الذي أصبح عَلَمًا وركنًا من أركان الأغنية السعودية.

التطورات الفنية في مسيرة طلال مداح الفنية أخذت منحنًى آخر؛ حيث شكّل رباعيًّا ذهبيًّا مع الشعراء بدر بن عبد المحسن، ومحمد العبد الله الفيصل، في بلورة من الألحان مع سراج عمر وطارق عبد الحكيم، والموسيقار غازي علي، إبّان حقبة السبعينيات، لتنتج ثمرة تعاون لا تُنسى، بمجموعة من الأعمال الغنائية التي أنتجت رائعة "زمان الصمت".

وفي واحدة من الحفلات الغنائية في أبها، وبعد رحيله، تغنى الفنان عبادي الجوهر بواحدة من أجمل أغنياته "أحبك لو تكون حاضر"، ليرثي بها الراحل طلال، ولم يتمالك نفسه حينها لتنهمر دموعه على المسرح وفاءً لرفيق دربه، فتأثير رحيله كان موجِعًا وشكَّل صدمة كبيرة غير مسبوقة بالوسط الفني.

محطات في مسيرته الفنية
طرح الفنان طلال مداح الذي امتلك الكثير من الألقاب الفنية المستحقة، أكثر من 700 أغنية، نثر عبيرَها ، ولم يتوانَ أيضًا عن المشاركة في المناسبات الوطنية، فله صولات وجولات بالأغنية الوطنية، وبهذه المناسبات شارك في أوبريتات المهرجان الوطني للتراث والثقافة "الجنادرية"، الذي يُقام سنويًّا، كما خُلّدَ الكثيرُ من الأوبريتات التي قادم بأدائها إلى وقتنا الحاضر، وحظيت فترة التسعينيات في مسيرة الراحل بتجديد لأعماله الغنائية في حقبة الستينيات والسبعينيات، التي ألهمت طلال لفترة من الفترات، حيث تعاون خلال مسيرته الذهبية مع أبرز شعراء الأغنية، وكان للأمير الشاعر بدر بن عبد المحسن أوفر الحظ والنصيب منها، بـ64 أغنية، بالإضافة إلى الأمير الشاعر محمد العبد الله الفيصل، بـ56 أغنية.

ومن بعد مزح ولعب كما نطقت حنجرته، كان ما منحه الحصول على أجمل وأعذب الألحان، موهبته في التعامل مع الآلات الموسيقية، ليترنَّم بروائعه التي لن تُنسَى، وطُرِحَ له بعد رحيله ما يقرب من 12 ألبومًا غنائيًّا، وحصل طلال على الكثير من الأوسمة والجوائز التكريمية التي كان آخرها في مهرجان الأغنية العربية في القاهرة عام 1998، وفي حقبة الستينيات حصل على المركز الأول في أول استفتاء إذاعي غنائي في السعودية.

لم تقتصر موهبته على الغناء فحسب، بل قدَّم نفسه كممثل درامي متميز عندما شارك في مسلسل "شارع الضباب"، من بطولة المطربة اللبنانية الراحلة صباح في عام 1967، بالإضافة إلى مسلسل "الأصيل"، من إنتاج التلفزيون السعودي آنذاك.

مسرح المفتاحة في أبها يشهد رحيله
في ليلة الحادي عشر من أغسطس عام 2000، ترجَّل الفارس على مسرح المفتاحة في أبها، وذلك عند لحظة صعوده خشبة المسرح التي لن تنسى أثره الراقي، وبعد تحية كبيرة من الجماهير التي استمرّت لما يقرب من الخمس دقائق، بينما هو يُلوِّح بيده، وكأنها تحية الوداع، ليكون النبع الأخير "الله يرد خطاك"، وتوارى الهرم ومؤسس الأغنية السعودية، ليكون المشهد الفني الحزين ويتوارى الصدى وصوت الأرض مودعًا جماهيره العريضة والوسط الفني.

وفي كلمات آخر الأغاني التي كان سيُطرب بها الحضور والمتذوقين:
الله يرد خطاك لدروب خلانك
لعيون ما تنساك لو طال هجرانك
دام الأمل موجود فالنفس خضّاعة
حق العيون السود السمع والطاعة

 

لمشاهدة أجمل صور المشاهير زوروا أنستغرام سيدتي

ويمكنكم متابعة آخر أخبار النجوم عبر تويتر "سيدتي فن"