محمود درويش في العام الخامس لرحيله: لا شيء يعجبني

3 صور

مرَّت الذكرى الخامسة على رحيل الغائب الحاضر، الشاعر الفلسطيني الملقَّب بـ«شاعر الأرض»، «محمود درويش»، «13 مارس 1941- 9 أغسطس 2008»، أحد أهم الشعراء الفلسطينيين والعرب الذين ارتبط اسمهم بشعر الثورة والوطن، كأن لسان حاله اليوم يقول مثل قصيدته الشهيرة «لا شيء يعجبني.. لا الراديو.. ولا صحف الصباح.. ولا القلاع على التلال.. أريد أن أبكي».

فشل في الحب
رغم أن شعراء العالم العربي يقيمون احتفالاً بـ«محمود درويش»، ويقيمون ذكرى وفاته، ويقرأون شعره منذ غيابه بجسده؛ حباً فيه، وكثير من الفتيات أيضاً معجبات بكتابته حد العشق، إلا أن «درويش» نفسه ذهب أبعد من العاطفة كلها، حين اعترف بفشله في الحب، رغم الكثير من نصوصه العاطفية، وقال «أحب أن أقع في الحب، السمكة علامة برجي «الحوت»، عواطفي متقلبة، حين ينتهي الحب أدرك أنه لم يكن حباً، الحب لابد أن يعاش، لا أن يُتذكر»، مؤكداً أنه أصرَّ على حبه الشعر أكثر من حبه أن يكون أباً، فلا شيء كان أهم عنده من الشعر، يرفض أي شيء يضر شعره أو يعرقله، كان يعيش في المنفى الذي وصفه بأنه ليس حالاً جغرافياً.

رمزية مدهشة
من أهم ما ميَّز شعره تعمقه في الرمزية، واستعمال الرمز في نصوصه المدهشة، مثل قصيدته التي ترمز للسلام «يطير الحمام»، وفيها يقول: «يطير الحمام.. يطير الحمام.. أعدي لي الأرض كي أستريح.. فإني أحبك حتى التعب...»
وقد غنى أشعاره الكثير مثل «مارسيل خليفة»، «أحمد قعبور»، «بشار زرقان»، «ماجدة الرومي»، «جورج قرمز»، «أصالة نصري». رافقته فرقة الثلاثي جبران في آخر عشر سنوات من حياته، وفي ذكرى وفاته الأولى، أقاموا له حفلة موسيقية ضخمة؛ جمعت بين قصائده المسجلة ورنة العود الجميل.

مجازفات فنية
رغم أنه كتب بالعربية، يقرأ «درويش» الإنجليزية والفرنسية والعبرية، ومن بين الذين تأثر بهم «رامبو وغتزبرغ».
وترجمت أعمال «درويش» إلى أكثر من عشرين لغة، وهو أفضل من تباع دواوينه من الشعراء في فرنسا حتى الآن، ورغم ذلك، فإن مختارات قليلة من دواوينه الشعرية العشرين مترجمة إلى الإنجليزية، أحدها الذي ترجمته زوجته الأولى، الكاتبة «رنا قباني»، وتراه الشاعرة الأميركية «أدرين رتش» شاعراً بقامة عالمية لـ«مجازفاته الفنية». وقد أسهم في إطلاقه واكتشافه الشاعر والفيلسوف اللبناني «روبير غانم»، عندما بدأ هذا الأخير ينشر قصائد لـ«محمود درويش» على صفحات الملحق الثقافي لجريدة «الأنوار»، التي كان يترأس تحريرها.

قلب عليل
أصيب «درويش» بنوبة قلبية، وأجريت له عملية لإنقاذ حياته سنة 1984، وعملية جراحية قلبية أخرى سنة 1998، أثناء عمليته الجراحية الأولى يقول: «توقف قلبي لدقيقتين، أعطوني صدمة كهربائية، ولكنني قبل ذلك رأيت نفسي أسبح فوق غيوم بيضاء، تذكرت طفولتي كلها، استسلمت للموت، وشعرت بالألم فقط عندما عدت إلى الحياة». ولكن في المرة الثانية، كان قتالاً، «رأيت نفسي في سجن، وكان الأطباء رجال شرطة يعذبونني، أنا لا أخشى الموت الآن، اكتشفت أمراً أصعب من الموت؛ فكرة الخلود، أن تكون خالداً هو العذاب الحقيقي، ليست لدي مطالب شخصية من الحياة؛ لأنني أعيش على زمان مستعار، ليست لدي أحلام كبيرة، إنني مكرس لكتابة ما عليّ كتابته قبل أن أذهب إلى نهايتي».

ميراث شعري
ومن نقطة ميلاده في قرية «البروة» الفلسطينية، قرب ساحل «عكا» حتى وفاته في الولايات المتحدة الأميركية يوم السبت 9 أغسطس 2008، بعد إجرائه لعملية القلب المفتوح في مركز تكساس الطبي، التي دخل بعدها في غيبوبة أدت إلى وفاته، بعد أن قرر الأطباء نزع أجهزة الإنعاش بناءً على توصيته، لايزال «محمود درويش» يحتل مساحة خصبة من الفضاء الشعري العربي، بما تركه من ميراث يفيض بالكثير من الحيوية الشعرية، ففي كل موقف اجتماعي أو عاطفي أو حتى سياسي تمر به فلسطين، أو حتى العالم العربي، فمن الصعب ألا يكون لـ«درويش» قصيدة عبَّرت عنه، بما له من الشعر الرمزي الكثير، الذي ساهم بتطويره وإدخال حب الحبيبة وخلطه بحب الأرض «الوطن».

العودة إلى رام الله
مات «درويش» قبل موت أمه بعام كامل، وُوري جثمانه الثرى في 13 أغسطس في مدينة رام الله، حيث خصصت له هناك قطعة أرض في قصر رام الله الثقافي، وتم الإعلان أن القصر تمت تسميته «قصر محمود درويش للثقافة»، وشارك في جنازته آلاف من أبناء الشعب الفلسطيني، وحضر أهله من أراضي 48، وكان العديد من الشخصيات من الوطن العربي في وداعه، ولايزال قبر «درويش» مزاراً لكل عشاق الشعر.. رحم الله شاعر الأرض، «محمود درويش».