التونسية غالية بنعلي تعتلي المسرح وتكسر القيود

23 صور

"لم أقرر أن أكون مختلفة، فتلك هي شخصيتي، فملامحي وأسلوبي يعكسان أحاسيسي ومشاعري، والسمة الأساسية عندي هي عشقي للحرية مع رفضي للقوالب الجاهزة، وعندما أعتلي المسرح أكسر كل القيود، وأنغمس في أحاسيسي أعرف أنني أقدم فناً مختلفاً وأن هدفي دمج الثقافة بالفن من خلال رؤيتي الخاصة. وأعتقد أن هذا هو أقصر طريق للتأثير والارتقاء بذوق الجمهور".

هكذا عبرت الفنانة التونسية متعددة المواهب، غالية بنعلي، والتي فضلت الطريق الصعب للوصول للجمهور، فهي تؤلف، وتلحن قصصاً تحكي الواقع الاجتماعي للمرأة العربية، وتختار من الأغنيات الكلاسيكية الخالدة ما يعيد لها تألقها حين تعيد غناءها بأسلوب درامي معاصر.
التقتها «سيدتي»، وكان معها الحوار التالي:

* من أنت في كلمات؟
ولدت في بروكسل ببلجيكا حين كان أبي وأمي طالبين في الجامعة، ولما بلغت الثانية من العمر استقر بنا المقام في الجنوب التونسي بمدينة «جرجيس» فطبعت هذه المدينة، التي حققت المعادلة بين الأصالة والتفتح، شخصيتي حتى أنني أصبحت أشبهها.

* ما الذي غذّى خيالك وأنت طفلة؟
كنت أجلس إلى النساء المسنات يروين لي شذرات من حياتهن، ويغذين خيالي بالحكايات العجيبة، والخرافات المدهشة، ولما أصبحت فتاة يافعة أدمنت مشاهدة الأفلام المصرية، والهندية، وتسلل إليّ منها حب الغناء حتى أنني كنت أغلق غرفتي وأجلس أمام المرآة أقلدهن، وأغني لأم كلثوم وفيروز، وكانت أمي تسترق السمع لي أحياناً حتى إذا أخطأت فإنها تنبهني، وتصلح خطئي، أما غذاء الروح فكان من خلال استماعي في خشوع إلى تلاوة المقرئ الشيخ عبدالباسط عبدالصمد للقرآن الكريم.

روميو وليلى
* تعودنا قصة «قيس وليلى»، و«روميو وجولييت» فما قصة «ليلى وروميو»؟
قبل أن أحكي عن روميو وليلى، أخبركم عن حكاية علاقتي بين الشرق والغرب، فقد سافرت عام1987 إلى بلجيكا لدراسة الفنون التشكيلية، والتصميم الغرافيكي، واكتشفت أن البلجيكيين يجهلون ثقافتنا، ويحملون عنا أفكاراً كثيرة مسبقة خاطئة ودونية، ولأنني اقتربت منهم، واندمجت معهم فتولد لديهم فضول لاكتشاف ثقافتي المختلفة. ويوم غنيت أمام بعضهم:
يا فؤادي لا تسل أين الهوى...
كان صرحاً من خيال فهوى..

ونقلت لهم بإحساسي سحر اللغة العربية، فاستمتعوا بإعجاب، وتحقق التواصل عبر الأحاسيس بين ثقافتين مختلفتين، وحصل لي اليقين بأن «كيمياء اللغة» تتسرب إلى العقل والوجدان معاً علماً بأنني في بلجيكا لا أغني إلا باللغة العربية. بعدها بدأت أبحث عن نفسي وما أريد، وحدث أن استطعت أن أعبر عن زواج الثقافتين من خلال أغنية ليلى وروميو؛ لأصل إلى خلاصة تقول إن روميو يمكن أن يكتشف في ليلى السحر العربي والأصالة، كما يمكن لليلى ألا ترضخ للأسر، وتكتشف حقيقة روميو فربما يكون شيطاناً أو جاهلاً أو.. المهم أن يكون لها حق الاختيار.

* أنت متزوجة من مخرج بلجيكي... ألم تجدي اعتراضاً من الأسرة على هذا الزواج المختلط؟
طبعاً كان هناك اعتراض، ولكن في النهاية قبلوا بالأمر الواقع.

* كيف لعبت المصادفات دوراً في حياتك؟
التقيت امرأة غجرية من البرتغال في مطعم لصديق بلجيكي غنيت فيه في جلسة بين الأصدقاء، فأعجبت بي واقترحت عليّ جولة فنية في بلادها فقبلت، وكان ذلك منعرجاً مهماً في حياتي جاء وليد المصادفة، ثم التقيت شاباً تونسياً عازف عود مهاجراً مثلي في بلجيكا، وله فرقة صغيرة فتولد تعاون بيننا استمر إلى اليوم، وتتالت المصادفات الجميلة التي أخذتني إلى محطات لم أخطط أبداً للوصول إليها. هكذا هي الحياة!

* تكتبين كلمات أغنياتك بنفسك، وتتولين تلحينها وغناءها، فهل لك طقوس معينة للحظات الإبداع؟
أكتب كلمات أغنياتي عندما تكون روحي في لحظات صفاء وسكينة، وأعترف بأنني فاشلة في تحويل تجاربي الخاصة إلى نصوص، وأعمال فنية. كتبت في لحظات الحيرة والتوتر والألم، ولكنني وجدت أنها نصوص فيها الكثير من الشكوى، والتذمر.

* ألا تجدين تناقضاً بين شخصيتك القريبة من الناس البسطاء وبين نصوص أغنياتك وإنتاجك الفني عموماً الذي يمكن أن يصنف على أنه «نخبوي»؟
لست نخبوية، ولا أحب أن تطلق عليّ هذه الصفة، وأحب مجالسة العامة من الناس، وأغلب أصدقائي هم من البسطاء الطيبين، وأعتبر ذلك هو الكنز الحقيقي الذي أمتلكه. لم أجمع مالاً كثيراً، وليست لي مدخرات، ويلومني أهلي وزوجي على ذلك، ولكنني أجد سعادة كبيرة في شراء حاسوب لشاب فقير، أو شراء كلمات من شاعر مغمور.

* ظهرت في شهر رمضان الماضي في مسلسل «فرح ليلى»، ولفتِ الأنظار بتقديمك شخصيتك الحقيقية وأغنياتك، خاصة ليلى وروميو، ويا مسافر وحدك. هل هذه انطلاقة جديدة؟
بعد مشاركتي في أول فيلم لي: «موسم الرجال» للمخرجة التونسية مفيدة التلاتلي، والذي ظهرت فيه أيضاً هند صبري لأول مرة في السينما تأكدت أنني ممثلة فاشلة، وتبين لي أنني غير قادرة على تقمص شخصية أخرى غير شخصيتي الحقيقية، وفي مسلسل «فرح ليلى» ظهرت أنا غالية الإنسانة والمغنية كما أنا في الحياة، وفي الحقيقة أن الملابس التي ظهرت بها كانت من تصميمي.

بحثاً عن الكنز
* أنت كثيرة الحل والترحال، عم تبحثين في أسفارك؟
سافرت كثيراً شرقاً وغرباً، وارتويت من ثقافات وحضارات أمم مختلفة كالهند مثلاً، إنني عندما أسافر أكون كمن يبحث عن كنز، ولكن الكنز هو أمام بيتي!
إنني كشجرة جذعها في الأرض التي زرعت بها، وارتوت من ينابيعها، أما أغصانها فهي حرة طليقة تزهر وتثمر في كل مكان أحط به رحالي، وأحلم بمنزل صغير في الجنوب التونسي أعيش فيه بعيداً عن صخب الحياة وضجيجها. فأنا محبة للصمت، ويحصل أن يمر يوم دون أن أنبس ببنت شفة أتأمل، وأكتب، وأحلم.

* هل شعرت بالندم بعد انسحابك المبكر من برنامج «ذا فويس»؟
لم تكن لي فكرة عن البرنامج، ولم يسبق لي مشاهدته، وظننت أنها فرصة لي لانتشار عربي أوسع، ولكني تأكدت -بعد أن توقفت التجربة عند حد الدور الأول- أنني لا أصلح لمثل هذه البرامج التجارية؛ لأن ما أقدمه مختلف عن السائد والمعتاد، وأن ما أعتبره مكمن قوتي، وتميزي لا يطمح «للشهرة» بل للتأثير، والتغيير.

http://www.youtube.com/watch?v=snl6VAftPLg