حكايتنا الحقيقية

شهرزاد


وحين كبرتُ أدركتُ أنك لم تكن كتلة الوهم تلك التي علقت بقلبي في المرحلة الأولى من العمر، ولا أنت ذلك الجرح الذي أخبروني حين أبكاني في طفولتي أنني حين أكبر سيتحول إلى فكاهة أتذكرها وأضحك، فأنا تذكرتك كثيراً ولم أضحك، واستعرضت الكثير من اللحظات معك، والكثير من الأفراح والأحزان التي عايشتها في حكايتك ولم أضحك..
نعم ضحكت على حماقات كثيرة، وعلى سخافات كثيرة، وعلى تفاهات كثيرة مارسناها ذات براءة عشق، لكن ذلك الجرح منك لم يضحكني كما ظنوا، ولم أجد في تلك الحكاية الحقيقية ما يشبه الفكاهة، فليس كل الحكايات القديمة تكون مضحكة عند التذكر والسرد، ولا كل الجروح تتحول مع الوقت الي قشور باردة بلا ألم وبلا حياة... فهناك حكايات تتحول مع الوقت إلى سجون بلا أبواب لكننا لا نفكر بمغادرتها أبداً، ونمارس فيها دور السجين والسجان بكامل إرادتنا.
وهناك حكايات تتحول في دواخلنا إلى صناديق سرية، نتستر كثيراً حين نفكر بالاقتراب منها، وتَفَقُّدِ محتوياتها، ونتخفى بإتقان كي لاتتشوه زخرفتنا الخارجية في نظر الآخرين، فلأرواحنا ولقلوبنا ديكورات خارجية، نحرص على طلائها وعلى زخرفتها، وعلى نقش تلك الكلمات التي نود أن يقرأها الآخرون عنا.
فدعك من زخرفتي الظاهرة لك، ولا تدقق كثيراً في هذا الوهن الذي يسرد قصة الحياة على وجهي، فهذه أنا رغم وهن الصوت ورغم اصفرار أوراق أمنياتي ورغم انحناء الكثير من أحلامي.
هذه أنا العاشقة التي تمنت يوماً أن تكبر معك، أن تحمل طفلها الأول منك، أن تقاسمك فرحة زفاف ابنكما البكر، أن تحتفل معك بتخريج أول بناتك منها.
هذه أنا المرأة التي قلمت أظفارك خيالاً وراقصتك خيالاً، المرأة التي كتبت اسمك في دفاترها، وارتدت في سلسال عنقها أول حروف اسمك، الأنثى المجنونة التي كانت تتستر كي تراك من بعيد، وتتستر كي تنتقي هدايا مناسباتك على غفلة من فضولهم، وتتستر كي تضع رسائلها إليك في صندوق البريد. 
تلك الأنثى الغيور التي كانت تصرخ بك عند كل ظهور لأنثى أخرى بجانبك. وتغني لك أغنيات الأطفال في المهد كي تنام، وتقرأ لك قصائد شعراء الحب كي تغفو، وتتلو آيات الله على قلبك كي تطمئن.
قبل النهاية بقليل:
حين نكبر نتذكر الكثير، ونضحك على الكثير، لكن هناك حكايات حين نسترجع تفاصيلها نبكي بحرقة.. كأن الزمن الذي مر بيننا وبينها... لم يمر.