هشاشة داخلية

شهرزاد


وضعت المرآة الكبيرة أمامها وصرخت في نفسها:
واجهي الحقيقة التي تفرين منها، هذه المرأة الستينية هي أنت، وهذا الشعر الأبيض الذي يبدل لونه للأسود في الشهر أكثر من مرة هو التاج الذي كان يزين رأسك، والأعين المرهقة التي تحرصين على إخفائها خلف نظارة شديدة العتمة هي عيناك، وهذه الأقدام الوهنة العاجزة عن ارتداء أحذية ذات كعب عالٍ لتمنحك قامة أطول هي قدماك، وكل هذا الخليط من التعب الظاهر في المرآة هو أنتِ..
ثم اقتربت من المرآة أكثر، ودققت النظر في وجهها حتى انهارت باكية.. فهي لم تلمح هذه الحقيقة القاسية في المرآة بهذا الوضوح إلا اليوم، فاليوم رأته بصحبة امرأة تصغرها سناً وتفوقها بأشياء كثيرة.
كان وجع المنظر أكبر من دهشتها، فهذا المشهد الموجع سبقته إليها همسات قاسية عن علاقة تربط زوجها بأخرى في سن ابنتهما الكبرى..
فتناولت المرآة بعنف، قربتها من وجهها أكثر، كانت تقاوم رغبة الانكسار والسقوط، فقذفت بها على الجدار البعيد بكامل قوتها وهي تصرخ في نفسها:
اكسري قطعة الزجاج التي تعري ضعفك، وانهضي بإصرار، قفي برغم كل ذلك اليأس الذي سيحاصرك عند كل محاولة جادة لتكرار الوقوف، ولا تستسلمي للوجع كملكة أضاعت ملكها وانطوت في الأسر بانكسار، ولا تسقطي لأن ذلك العكاز كان أضعف من الاتكاء عليه، وجربي السير بلا عكاز هَش قابل للانكسار مع كل خطوة لك.
لا تسقطي لأن أحدهم كسر أجنحة الأمان في ظهرك، بينما كنت بانتظار أن يعلمك الطيران، وسحب المقعد الوحيد خلفك حين قررت الجلوس بأمان.
لا تسقطي لأن أحدهم أغلق عليك تلك النوافذ التي كانت متنفسك الوحيد، ومضى دون أن يحرص على تسلل الهواء إليك، وخذلك في وقت كان الخذلان أكثر ما يرعبك.
لاتسقطي لأن أحدهم سلبك زاد الطريق، حين أصبح طريقك أصعب من إكماله وحيدة، أو العودة إلى أوله بصحبة نفسك.
لاتسقطي لأنه حين قرر تغيير الحكاية لم يجد لك فيها دوراً يليق بتضحياتك من أجله.. وحين قرر مواجهة الأمواج وتغيير اتجاه سفينته كنتِ أول ما أُلقي من السفينة.
لاتسقطي لأنه حين قرر العودة بالعمر نسي أن يصطحبك معه، وحين قرر أن يكمل دوره في حكاية جديدة لم يمنحك دور البطولة، وحين تفاجأ بعواصف الخريف أفلت يدكِ بسهولة للوصول إلى ربيعه الكاذب.

لاتسقطي فالسقوط لا يليق بالأنقياء وبأصحاب القلوب البيضاء، وبأرواح اعتادت الوقوف بشموخ، والحزن بشموخ والترفع بشموخ والانسحاب بشموخ.
قبل النهاية بقليل:
قد نكتشف أحياناً.. أن المرايا هي أصدق صديق للبوح له عند الاختناق.