أبرز التحديات التي تواجه اللغة العربية

بدرية آل علي
لغتي
3 صور

على الرغم من كون اللغة العربية تحتل الترتيب الخامس بين اللغات الأساسية في العالم، لكن تحديات مختلفة أثرّت على مكانة لغتنا، وتنوعت آراء الباحثين والمهتمين حول أسباب تراجع مكانتها بين أبناء الجيل الجديد، فهناك من يعتقد أنها أزمة لغة لا تستطيع مواكبة المستجدات العالمية، وهناك من يجزم أنها لا هذا ولا ذاك، بل هي أزمة جيل انسلخ عن ثقافته لصالح ثقافات أخرى.

 

لغتي

مبادرة «لغتي» التي أطلقها الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة بهدف تعليم اللغة العربية للأطفال والشباب بوسائل حديثة وجذابة، تطرح وعلى لسان مديرتها «بدرية آل علي» تصوراً آخر وأكثر عمليةً لمشكلة اللغة العربية، وتشير إلى أن هناك جملةً من التحديات التي يمكن تخطيها، تقف حاجزاً بين اللغة بكل تجلياتها من ناحية والجيل الجديد من ناحية أخرى. فسيادة اللغة العربية لا تعني مقاطعة اللغات الأخرى وعدم تعلمها، لكن في الوقت نفسه، لا يجب أن تلغي اللغات الأجنبية لغتنا العربية أو تشوهها.

استعادة مكانة اللغة العربية والحفاظ عليها

هناك تحديات كثيرة في مواجهة مهمّة استعادة مكانة اللغة العربية والحفاظ عليها، بحسب «آل علي»، وهي مهمّة لا تقع على عاتق جهة دون أخرى، بل إن التنسيق إلى جانب الشراكة يشكلان شرطاً لإنجاحها.

التحديات التي تواجهها اللغة العربية

التحديات التي تواجه اللغة العربية


التحدي الأول: بين الاستعداد للوظيفة والاستعداد للحياة

تبرز العائلة بوصفها المعلم الأول للفرد وصانع لغته ووجدانه وثقافته في مقدمة هذه التحديات. بدون قصد وبحسن نية، يلجأ الآباء والأمهات إلى مخاطبة أبنائهم باللغة الأجنبية معتقدين بذلك أنهم يجهزون الأبناء للمستقبل الذي لا يفتح ذراعاه إلا لمن يتقن اللغة الأجنبية.
هنا تبرز إشكالية كبيرة، وهي أن تفضيل اللغة الأجنبية من قبل الأهل يأتي في إطار الإعداد للوظيفة، بينما يأتي الاهتمام باللغة الأم بالمقابل في سياق الإعداد للحياة وفهم ثقافة المجتمع وبناء علاقات ناجحة في سياقه، بل يعتبر شرطاً للنمو الوجداني والعقلي السليم بحيث تكون الثقافة المحلية نافذة لفهم الثقافات الأخرى وأداة لتحليلها والاستفادة منها. وتقول «آل علي»: «الكثير من الوظائف اليوم بأمسّ الحاجة للغة العربية السليمة، وهي تشكل نسبة كبيرة من القطاعات الاقتصادية النامية مثل الإعلام، النشر، الترجمة والسياسة»... وتضيف: «تعليم الأطفال اللغة الأجنبية يجب ألا يجعلهم متلقين سلبيين للثقافات الأخرى».

التحدي الثاني: المنهاج الدراسي بين الاستهلاك والإنتاج

مساحة المناهج باللغة العربية في تراجع دائم لتحل محلها أخرى بلغات أجنبية، وتوضح «بدرية آل علي» أهمية استعادة مكانة اللغة العربية بين المناهج التعليمية بالقول: «الأكاديميون من مدرسين وعاملين في قطاع المعارف يدركون أكثر منا أهمية اللغة الأم لبناء جيل منتج ومبتكر يترك بصمته العلمية والإنتاجية على ساحة الفعل العالمي»، وأشارت إلى دول نشرت ثقافتها ولغتها من خلال منتجاتها، وهذا لأنها تعتز بلغتها. هذا الاعتزاز كان محفزاً على نجاح تجربتها الاقتصادية العالمية، بينما من يستهلك لغة وثقافة غيره سيظل يستهلك منتجات لا يصنعها ولن يجد له مكاناً في مسيرة التطور والإنتاج العالمي.

التحدي الثالث: معايير اجتماعية خاطئة

الحديث باللغة الأجنبية دلالة على التحضر والرقي، هذه واحدة من المعايير الخاطئة المنتشرة بكثرة في مجتمعنا، إلا أن هذه المعايير بعيدة كل البعد عن الحقيقة وتفتقر لأدنى الشروط العلمية برأي «آل علي»، فالحديث باللغة الأجنبية ليس دلالة على الرقي والتحضر كون هاتين الصفتين هما تجسيد للأخلاق والسلوك والمواقف الإنسانية ولا علاقة لهما بطريقة النطق أو اللغة أو إتقان لكنة أجنبية ما. وتنوه «بدرية آل علي» بأن أحد أهداف مبادرة «لغتي»، هو تصحيح الكثير من المفاهيم السائدة التي أسست لسيادة اللغات الأجنبية وضعف التعامل باللغة العربية السليمة.

التحدي الرابع: البعد عن الكتاب.. بعد عن اللغة

يشكل ضعف الإقبال على قراءة الكتب باللغة العربية على وجه التحديد مشكلةً، ليس على مستوى اللغة فقط، بل على المستويات كافة. ترافق هذه الظاهرة زيادة في الإقبال على الكتب باللغات الأجنبية، وخاصة الإنجليزية بين أوساط الشباب من خريجي الجامعات الأجنبية. ومن الملاحظ أيضاً، أن الكتب الأجنبية الخفيفة والبعيدة عن التحليل أو الخالية من الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية باتت هي السائدة تحت تأثير ثقافة تصفها «بدرية آل علي» بأنها ثقافة القراءة للمتعة وليس للاستفادة، أو القراءة من أجل الفائدة اللحظية والفردية والسريعة في آن.
وأضافت: «هناك مبادرات وجوائز عديدة أطلقتها الجهات المختصة في دولة الإمارات العربية المتحدة للقراء والمبدعين، وتخصص الجهات الحكومية مساحة جهد واسعة لتوفير المكتبات وإثرائها بالكتب.. فتحقيق نتائج إيجابية من سياسات تشجيع القراءة، يحتاج إلى أن تمارس الجهات ذات التأثير في قطاع الشباب مهمتها التوجيهية والإرشادية لمساعدتهم على اختيار الكتب والمواضيع والعناوين التي يقرؤونها، على أن تكون الأولوية للكتب العربية».

التحدي الخامس: الإعلام الإلكتروني

يتحمل الإعلام الإلكتروني جزءاً ليس بالقليل من التحديات التي تواجهها لغتنا العربية اليوم. عدد كبير جداً من المواقع من مختلف المصادر والتخصصات تحتل شاشات حواسيبنا وهواتفنا لتنقل إلينا أخباراً مختصرة أو مطولة تفتقر لأدنى معايير سلامة اللغة أو دقة المحتوى. وبسبب ابتعاد الجمهور تدريجياً عن مصادره الإعلامية التقليدية الموثوقة كالصحف والمجلات والتلفاز، باتت هذه المواقع هي المصدر شبه الوحيد للمعرفة والتعلم والتعرف على اللغة.
يجب أن تتعاون المؤسسات الأكاديمية والأسر والمنظمات الاجتماعية التي تحتضن الشباب على التوعية المكثفة بكيفية اختيار مصادر المعرفة وبناء علاقة متينة مع اللغة، فالمصادر غير الموثوقة للمعارف تشوه ليس فقط لغتنا العربية، بل والحقائق أيضاً، وهذه مسألة يجب الوقوف عندها مطولاً لاجتراح حلول عملية وذات أثر.
وفي الختام أكدت «آل علي»: «أن فهم هذه التحديات يشكل مدخلاً لتجاوزها، وخير مكان نبدأ به هذه المهمة، الطفولة. فلنغرس في وجدان أطفالنا وشبابنا حب اللغة العربية ولنعزز ثقتهم وفخرهم بها وبهويتهم وتاريخهم».

تحديات اللغة العربية