لؤلؤة.. يا قلبي يا كُتْكتْ كم تشوف وتسْكتْ!

أحمد العرفج

 


يتداول الإنسان بعض الجُمل السلبية والمُحبِطة؛ من باب المزاح، ولكنها مع الوقت، وعن طريق التفكير اللا واعي، تتحوَّل هذه العبارات إلى عاداتٍ وسلوكيات.. إنها مثل الحُبّ الذي يبدأ بالمزاح، وينتهي بالبكاء، وفي ذلك يقول الشاعر العباسي ابن الزّيات:


سماعاً يا عباد الله منّي
وكفُّوا عن ملاحظة الملاحِ
فإنّ الحُبّ آخِرهُ المَنايَا
وأوله يُهيَّجُ بالمُزاحِ
وحتى يتضح المقال، دعونا نضرب هذا المثال:


أعرف سيدة كبيرة في السنِّ مِن مكَّة، كلما اتصلتُ بها سألتُها عن حالها، فتكون إجابتها، نفخ كمية كبيرة من الهواء والتذمُّر، ثم تُردِّد جملتها المعهودة: «يا قلبي يا كُتكت كم تشوف وتسكت». وإذا عاتبتُها على ترديد هذه العبارة، قالت: «حسناً يا أحمد، سأُغيِّرها من أجلك، وأقول: يا قلبي يا كتاكت كم تشوف وانت ساكت»..!


وقبل أيَّام اتصلتُ بها وقُلت: يا سيِّدتي، إنني أسمع هذه العبارة على لسانك منذ ربع قرن، لماذا لا تُغيّرينها؟ ، يُفترض على الأقل أن الكُتْكُتْ مات! فقالت: «يا ولدي يا أحمد، لقد غيّرتُها إلى: يا قلبي يا سمسم لا تبكي ولا تندم». حينها قُلت لها: إن العبارة تشاؤمية، ولا تليق بك، فقالت: «لدي عبارة أخرى؛ لعلَّها تروق لك، وهي: يا قلبي يا سماسم انت تبني والهمّ هادم»... إلخ!


لن أُكمل بقية القصة مع هذه السيِّدة، ولكني أتحدَّث عن شريحة من البشر، غالبها من النساء، أصبحت تُحب التشكِّي والتذمُّر، وبث التوجُّع الدائم، إما لأنه صار جزءاً من طبيعتها، أو أنها تُظهر التشكِّي؛ من أجل استدرار عطف الآخرين..!


في النهاية أقول: إن التشكِّي والتذمُّر هما طريق تفكير، ومنهج حياة، وإذا بدأ الإنسان بها واستمرّ، ستتحوَّل -مع الوقت- إلى عاداتٍ وسلوكيات، حتى يُصبح صاحبها داخلاً في دائرتها، ويتحوَّل إلى كتلة مُتحرِّكة؛ من المشاكل والتذمُّر والتشكِّي..!!